باب ارتداد أحد الزوجين أو هما ومن شركٍ إلى شركٍ من كتاب جامع الخطبة ومن كتاب المرتد ومن كتاب ما يحرم الجمع بينه
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَإِذَا ارْتَدَّا أَوْ أَحَدُهُمَا مُنِعَا الْوَطْءَ فَإِنِ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ إِسَلَامِهِمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إِنْ أَصَابَهَا فِي الرِّدَّةِ فَإِنِ اجْتَمَعَ إِسْلَامُهُمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا الْفَصْلُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ.
إِحْدَاهُمَا: أن يرتد أحد الزوجين المسلمين.
والثانية: أن يرتدا معاً.
فإذا ارتدا أَحَدُهُمَا، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُكَوْنَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالنِّكَاحُ قَدْ بَطَلَ بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ إِجْمَاعٌ، لِأَنَّ مَا أَثَّرَ فِي الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدخول أيتها كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَلِذَلِكَ أَبْطَلْنَا نِكَاحَ الزَّوْجَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِذَا بَطَلَ النِّكَاحُ بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ نَظَرَ فِي الْمُرْتَدِّ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ، لِأَنَّ الْفَسْخَ مَنْ قِبَلِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هِيَ الزَّوْجَةُ فَلَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّ الْفَسْخَ مَنْ قِبَلِهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يكون رِدَّةُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي النِّكَاحِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا قبل انقضائهما كَانَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ بَطَلَ النِّكَاحُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُرْتَدِّ مِنْهُمَا، فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ كَانَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ بَطَلَ النِّكَاحُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: قَدْ بَطَلَ النِّكَاحُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ مِنْ غَيْرِ وَقْفٍ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ ارْتِدَادَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مُوجِبٌ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ فِي الْحَالِ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ يَسْتَوِي فيه ما قبل الدخول وبعده كالرضاع، واستبراء الزَّوْجَةِ، وَوَطْءِ أُمِّهَا بِشُبْهَةٍ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينِ بَعْدَ الْإِصَابَةِ لَا يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْفُرْقَةِ قِيَاسًا عَلَى إِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ، وَلِأَنَّهَا رِدَّةٌ طَارِئَةٌ عَلَى نِكَاحِ مَدْخُولٍ بِهَا فوجب أن لا تبيين قِيَاسًا عَلَى ارْتِدَادِهِمَا مَعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute