للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجْتَمَعَا فِي الْوَصِيَّةِ، هَلْ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ، أَوْ يَكُونُ أُسْوَةَ جَمِيعِ الْعَطَايَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَضَيَا فِي الْوَصَايَا.

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ الْعِتْقُ أُسْوَةَ الْوَصَايَا، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْكِتَابَةُ أُسْوَةَ جَمِيعِ الْعَطَايَا وَالْوَصَايَا يَتَحَاصُّونَ فِي الثُّلُثِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَى جَمِيعِ الْعَطَايَا وَالْوَصَايَا، لِفَضْلِ مَرْتَبَتِهِ بِالسِّرَايَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْكِتَابَةِ هَلْ تَجْرِي فِي ذَلِكَ مَجْرَى الْعِتْقِ الْمَحْضِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْعِتْقِ الْمَحْضِ، لِإِفْضَائِهَا إِلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا تُقَدَّمُ الْكِتَابَةُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا كَمَا يُقَدَّمُ الْعِتْقُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَجْرِي مَجْرَى الْعِتْقِ الْمَحْضِ لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ، فَصَارَ بِالْمُعَاوَضَاتِ فِي ابْتِدَائِهِ أَشْبَهَ، وَلَا يُوجِبُ إِفْضَاؤُهُ إِلَى الْعِتْقِ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَصَايَا كُلِّهَا كَمَا لَوْ أَوْصَى الرَّجُلُ بِأَبِيهِ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى الْوَصَايَا وَإِنْ أَفْضَى إِلَى عِتْقِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أُسْوَةَ جَمِيعِ الْوَصَايَا، وَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى جَمِيعِهَا بِالْحِصَصِ.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ عَوْدِ كِتَابَتِهِ لِعَجْزِ الثُّلُثِ عَنْ قِيمَتِهِ إِلَى بَعْضِهِ أَوْ لَمْ يكن له إلى سَوَاءً فَلَزِمَتِ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثِهِ، وَجَبَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُكَاتِبُوهُ عَلَى الثُّلُثِ إِذَا اخْتَارَ كِتَابَةَ الْمِثْلِ إِنْ لَمْ يُقَدَّرْ بِالْوَصِيَّةِ، وَكَانَ ثُلُثَاهُ رَقِيقًا لِلْوَرَثَةِ.

فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا صَارَ هَذَا الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ، فَكَيْفَ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ الْمُوصِي وَحْدَهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُكَاتِبَ حِصَّتَهُ قِيلَ: إِنَّمَا منع الشريك من مكاتبة حِصَّته لِئَلَّا يَدْخُلَ بِهَا ضَرَرٌ عَلَى شَرِيكِهِ، وَالْوَرَثَةُ هَاهُنَا إِنَّمَا صَارَ لَهُمُ الْمِلْكُ بَعْدَ دُخُولِ الضَّرَرِ بِالْكِتَابَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ الْمَنْعُ مِنْهَا.

فَإِذَا صَحَّتِ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثِهِ أَدَّى مَالَهَا إِلَى الْوَرَثَةِ فَإِنْ وَفَّاهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَكَانَ ثُلُثَاهُ رَقِيقًا لِلْوَرَثَةِ، وَلَا يَسْرِي الْعِتْقُ بِالْكِتَابَةِ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ عِتْقٌ عَلَى مَيِّتٍ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَرَّقَ ثُلُثَهُ الَّذِي كَانَ مُكَاتَبًا، فَهَلْ يَعُودُ إِلَى التَّرِكَةِ حَتَّى تَتَوَفَّرَ بِهِ الْوَصَايَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَعُودُ إِلَى التَّرِكَةِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا اعْتُبِرَ مِنَ الثُّلُثِ لِيُعْتَقَ، فَإِذَا لَمْ يعتق لم يعتبر فيه، وكان تركة.

والوجه الثَّانِي: لَا يَعُودُ إِلَى التَّرِكَةِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِي الثُّلُثِ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>