للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِكْمَالُ الْعِدَّةِ الْأُولَى، وَهَلْ يَكُونُ الْعَقْدُ الثَّانِي مَعَ خُلُوِّهِ مِنَ الْوَطْءِ قَاطِعًا لِلْعِدَّةِ الْأُولَى أَمْ لَا؟

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: لَا تَقْطَعُهَا وَتَكُونُ جَارِيَةً فِي عِدَّتِهَا حَتَّى تَسْتَكْمِلَهَا، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْعِدَّةَ قَدِ انْقَطَعَتْ بِالْعَقْدِ، وَيَكُونُ الْبِنَاءُ عَلَى الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنَّمَا أُعِيدَتْ لِاقْتِضَاءِ التَّسْلِيمِ لَهَا.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى السَّيِّدِ حَتَّى تَقْضِيَ عِدَّتَهَا فَإِذَا قَضَتْهَا حَلَّتْ لَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَلَوْ بَاعَهَا السَّيِّدُ فِي الْعِدَّةِ صَحَّ الْبَيْعُ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا بِالْعِدَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ لَهَا كَالْمُحَرَّمَةِ بِنَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ، فَإِذَا قَضَتْ عِدَّتَهَا لَمْ تَحِلَّ لِلْمُشْتَرِي إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ بِخِلَافِ الْبَائِعِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَائِعَ عَادَتْ إِلَيْهِ بِمِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ قَدِ اسْتَبْرَأَهَا فِيهِ فلم يلزمه أن يستبرأها ثَانِيَةً لِأَنَّهُ مَا اسْتَحْدَثَ مِلْكًا ثَانِيًا وَإِنَّمَا طَرَأَ عَلَى مِلْكِهِ فِرَاشَ الزَّوْجِ، وَقَدِ ارْتَفَعَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْهُ فَعَادَتْ إِلَى إِبَاحَتِهِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاءٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ اسْتَحْدَثَ مِلْكًا يُوجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءَ فِي حَقِّهِ وَعِدَّةُ الْمُطَلِّقِ كَانَتْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَصَارَ كَعِدَّتَيْنِ مِنِ اثْنَيْنِ لَا يَتَدَاخَلَانِ كَذَلِكَ لَا يَتَدَاخَلُ الِاسْتِبْرَاءُ وَالْعِدَّةُ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ يَظُنُّهَا أَمَةَ نَفْسِهِ لَحِقَ بِهِ وَلَدُهَا، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَكَانَتْ عِدَّتُهَا مِنْ إِصَابَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ وَلَا يَلْزَمُهَا عِدَّةُ الزَّوْجَاتِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا ظَنَّهَا الْوَاطِئُ زَوْجَةً فَإِنْ ظَنَّهَا عِنْدَ وَطْئِهِ لَهَا أَنَّهَا زَوْجُهُ فَهَلْ تَكُونُ عِدَّتُهَا مِنْ إِصَابَتِهِ عِدَّةَ زَوْجَةٍ، أَوِ اسْتِبْرَاءَ أَمَةٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: استبراء أمة بحيضة واحدة اعتباراً يالموطوءة وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عِدَّةُ الزَّوْجِيَّةِ اعْتِبَارًا بِالْوَطْءِ فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ الَّتِي اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ مَمْلُوكَةً، وَلَمْ تَكُنْ حُرَّةً لَزِمَ الْأَمَةَ الْمَوْطُوءَةَ عِدَّةُ أَمَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَفِيمَا يَلْزَمُ الْأَمَةَ الْمَوْطُوءَةَ مِنَ الْعِدَّةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجِ عِدَّهُ حُرَّةٍ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْوَاطِئِ وَطْءَ زَوْجَتِهِ حُرَّةً.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا عِدَّةُ أَمَةٍ، لأن عدة الزوجية معتبرة بحال الموظوءة دُونَ الْوَاطِئِ فَأَمَّا إِذَا وَطِئَ زَوْجَةَ غَيْرِهِ يَظُنُّهَا أَمَةَ نَفْسِهِ فَعَلَيْهَا مِنْ وَطْئِهِ عِدَّةُ حُرَّةٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَصْحَابُنَا وَلَا اعْتِبَارَ فِيهَا بِمُعْتَقَدِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>