كَالْمَبْتُوتَةِ، وَفِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا فِي الْحَالَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ سُكْنَاهَا فِي الْحَالَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا سقط بالموت سكنى الأقارب لسقوط نققاتهم وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ بِهِ سُكْنَى الزَّوْجَاتِ لِسُقُوطِ نَفَقَاتِهِمْ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ السُّكْنَى بِمَا رَوَتْهُ زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ أُخْتَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ، قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فِي بَنِي خُدْرَةَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: نَعَمْ، فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ دَعَانِي أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ: كَيْفَ؟ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ: امْكُثِي فِي بَيْتِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ. فَاعْتَدَّتْ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا؛ فَلَمَّا كان عثمان ٧ به عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْسَلَ إِلَيَّ وَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ، فَلَوْ لَمْ تَسْتَحِقَّ السُّكْنَى عَلَى الزَّوْجِ لَمَا أَعَادَهَا إِلَى مَسْكَنٍ قَدِ اسْتَعَارَهُ وَلَمْ يَمْلِكْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَذِنَ لَهَا فِي النُّقْلَةِ ثُمَّ مَنَعَهَا فَفِيهَا تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ لِسَهْوٍ أُسْقِطَ مِنْهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ لِاجْتِهَادٍ نُقِلَ عَنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ نَسْخًا وَالنَّسْخُ قَبْلَ الْفِعْلِ لَا يَجُوزُ.
قِيلَ: إِنَّمَا لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ قَبْلَ زَمَانِ فِعْلِهِ، وَيَجُوزُ قَبْلَ فِعْلِهِ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ إِذَا وَجَبَتْ بِمَوْتِ الزَّوْجِ تَحْصِينًا لِمَائِهِ وَحِفْظًا لِحُرْمَتِهِ كَانَتْ أَوْكَدَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْمُخْتَصَّةِ بِتَحْصِينِ مَائِهِ دُونَ حُرْمَتِهِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ بِوُجُوبِ السُّكْنَى أَحَقَّ مِنَ الطَّلَاقِ.
وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّهَا عِدَّةٌ مِنْ نِكَاحٍ فَوَجَبَ أَنْ تَسْتَحِقَّ فِيهَا السُّكْنَى كَالطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّهَا لَمَّا خُصَّتْ بِالسُّكْنَى فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ مَعَ قُدْرَةِ الزَّوْجِ عَلَى نَفْيِ وَلَدِهَا بِاللِّعَانِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَخْتَصَّ بِالسُّكْنَى فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى نَفْيِ وَلَدِهَا بِاللِّعَانِ؛ وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ التَّعَبُّدُ، وَالِاسْتِبْرَاءَ تَبَعٌ، وَالْمُغَلَّبَ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الِاسْتِبْرَاءُ وَالتَّعَبُّدَ تَبَعٌ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ فَلَمَّا وَجَبَ السُّكْنَى فِي الِاسْتِبْرَاءِ كَانَ أَوْلَى أَنْ تَجِبَ فِي التَّعَبُّدِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ أَوْكَدُ وَلِفَحْوَى هَذَا الْمَعْنَى فَرَّقْنَا بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَبَيْنَ سُكْنَى الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ وَاللَّهُ أعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يُسْكِنُوهَا حَيْثُ شَاءُوا إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute