[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا وَهُوَ بدويٌّ أَوْ قرويٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَيُّ بيتٍ مِنْ شَعَرٍ أَوْ أدمٍ أَوْ خيمةٍ أَوْ بيتٍ مِنْ حجارةٍ أَوْ مدرٍ أَوْ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ بيتٍ سَكَنَهُ حَنِثَ ".
قَالَ المارودي: اعْلَمْ أَنَّ بُيُوتَ السُّكْنَى تَخْتَلِفُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أحدهما: بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ.
وَالثَّانِي: بِاخْتِلَافِ الْعَادَاتِ.
فَأَمَّا الْمُخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَلِلْبَوَادِي بُيُوتُ النُّقْلَةِ مِنَ الْأَدَمِ، وَالشَّعْرِ، لِأَنَّهُمْ يَنْتَجِعُونَ فِي طَلَبِ الْكَلَأِ، فَيَسْكُنُونَ مِنَ الْبُيُوتِ مَا يَنْتَقِلُ مَعَهُمْ فِي النَّجْعَةِ مِنَ الْخِيَامِ، وَالْفَسَاطِيطِ، وَلِأَهْلِ الْقُرَى بُيُوتُ الِاسْتِقْرَارِ فَيَسْكُنُونَ مَا يَدُومُ ثُبُوتُهُ فِي أَوْطَانِهِمْ مِنَ الْأَبْنِيَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ. وَأَمَّا مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَادَاتِ، فَهُوَ أَنَّ بُيُوتَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ لِتَشْيِيدِهَا، وَقِسْمَةِ مَسَاكِنِهَا، مُخَالِفَةٌ لِبُيُوتِ أَهْلِ الْقُرَى فِي ذَهَابِهَا، وَاحْتِلَالٍ قَسْمِهَا، وَتَخْتَلِفُ الْعَادَاتُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِي بِالْأَحْجَارِ وَالنُّورَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِي بِالْآجُرِّ وَالْجَصِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِي بِاللَّبِنِ، وَالطِّينِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِي بِالْخَشَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِي بِالْقَصَبِ، وَاخْتِلَافُ الْعَادَاتِ، لَا تُؤَثِّرُ فِي الْأَيْمَانِ وَجَمِيعُهَا بُيُوتٌ لِمَنِ اعْتَادَهَا، وَمَنْ لَمْ يَعْتَدْهَا، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا، حَنِثَ بِسُكْنَى كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْتَدْ سُكْنَاهُ مِنْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ طِينٍ أَوْ خَشَبٍ، أَوْ قَصَبٍ، مُحْكَمٍ يَدُومُ عَلَى مَرِّ السِّنِينَ، وَلَا يَحْنَثُ أَنْ يَسْكُنَ بُيُوتَ الرُّعَاةِ مِنَ الْهَشِيمِ وَالْجَرِيدِ، وَالْحَشِيشِ، لِأَنَّهُ يَسْتَدْفِعُ بِهِ أَذَى وَقْتٍ مِنْ حرٍ أَوْ بردٍ، وَلَا يُسْتَدَامُ سُكْنَاهَا. فَأَمَّا إِنْ سَكَنَ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا، لَمْ يَحْنَثْ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّ انْطِلَاقَ اسْمِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمَا مَجَازٌ لَا حقيقةٌ.
وَالثَّانِي: إنَّهُمَا لَا يُسْكَنَانِ فِي الْعُرْفِ، فَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ لِسُكْنَاهُمَا.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا مَا اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ مِنْ بُيُوتِ النُّقْلَةِ لِلْبَوَادِي وَبُيُوتِ الِاسْتِقْرَارِ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ، فَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ، إنَّ بُيُوتَ الِاسْتِقْرَارِ، مِنْ أَبْنِيَةِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِسُكْنَاهَا بَدَوِيًّا، كَانَ أَوْ قَرَوِيًّا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: انْطِلَاقُ اسْمِ الْحَقِيقَةِ عَلَيْهَا، وَوُجُودُ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهَا، فَاقْتَرَنَ بِحَقِيقَةِ الِاسْمِ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ.
وَأَمَّا بُيُوتُ النُّقْلَةِ مِنْ خِيَمِ الشَّعْرِ، وَفَسَاطِيطِ الْأَدَمِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْنَثُ بِسُكْنَاهَا الْبَدَوِيُّ، وَالْقَرَوِيُّ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُهُ أَنَّ الْحَالِفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا، إِذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute