فَذَكَرَ فِي الْحَضَرِ أَنَّهُ نَسِيَ الظُّهْرَ وَوَقْتُ الْعَصْرِ بَعْدُ بَاقٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْصُرَ الظُّهْرَ، قَالَ لِأَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ فِي السَّفَرِ وَقْتُ الْعَصْرِ وَالظُّهْرِ جَمِيعًا فَإِذَا ذَكَرَهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَهُوَ حَاضِرٌ كَانَ كَمَا ذَكَرَهَا فِي وَقْتِهَا وَهُوَ حَاضِرٌ فَصَلَّى أَرْبَعًا صَلَاةَ حضر، لأنه مؤدٍ لا قاضي، فَلَوْ نَسِيَ صَلَاةَ ظُهْرٍ لَا يَدْرِي أَصَلَاةُ سَفَرٍ أَمْ صَلَاةُ حَضَرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا صَلَاةَ حَضَرٍ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ
(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنْ أَحْرَمَ يَنْوِي الْقَصْرَ ثُمَّ نَوَى الْمُقَامَ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا وَمَنْ خَلْفَهُ مِنَ الْمَسَافِرِينَ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى الْمُقَامَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إِتْمَامَ الصَّلَاةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَصْرُهَا
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى التَّمَامِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى رَكْعَةً ضَمَّ إِلَيْهَا أُخْرَى وَكَانَتْ نَافِلَةً ثُمَّ اسْتَفْتَحَ صَلَاةَ الْإِقَامَةِ أَرْبَعًا وَهَذَا غَلَطٌ وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَوُجُوبُ إِتْمَامِهَا أَرْبَعًا أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ سَبَبُهَا السَّفَرُ فَوَجَبَ إِذَا زَالَ سَبَبُهَا وَهُوَ السَّفَرُ أن نزول رُخْصَةُ الْقَصْرِ كَالْمَرِيضِ يُصَلِّي قَاعِدًا لِعَجْزِهِ ثُمَّ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِزَوَالِ مَرَضِهِ وَكَالْأَمَةِ تُصَلِّي مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ لِرِقِّهَا ثُمَّ يَلْزَمُهَا تَغْطِيَةُ رَأْسِهَا لِعِتْقِهَا
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا قُلْتُمْ إِنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَصْرًا اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِحْرَامِ كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ، قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا يَمْنَعُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ حُكْمِهِمَا وَهُوَ أَنَّ خُرُوجَ الْمُتَيَمِّمِ مِنْ صَلَاتِهِ لِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ يَبْطُلُ عَلَيْهِ مَا مَضَى فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ إِذَا أَتَمَّ لَمْ يَبْطُلْ عَلَيْهِ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ التَّمَامُ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ تَتِمُّ وَتُقْصَرُ فَوَجَبَ إِذَا زَالَ سَبَبُ قَصْرِهَا أَنْ يَلْزَمَهُ الْبِنَاءُ عَلَى التَّمَامِ. أَصْلُهُ إِذَا أَحْرَمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ خَرَجَ وَقْتُهَا
(وَالْفَصْلُ الثَّانِي)
: أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا صَلَّى خَلْفَ مُقِيمٍ وَجَبَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا وبه قال أبو حنيفة ومالك. وقال أبو دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَطَاوُسٍ إِنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّمَامُ بِصَلَاتِهِ خَلْفَ مُقِيمٍ
لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ إِذَا صَلَّى خَلْفَ مُقِيمٍ اعْتِبَارًا بِحَالِ إِمَامِهِ لَجَازَ لِلْمُقِيمِ أَنْ يَقْصُرَ إِذَا صَلَّى خَلْفَ مُسَافِرٍ اعْتِبَارًا بِحَالِ إِمَامِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ لِلْمُقِيمِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُسَافِرِ اعْتِبَارًا بِحَالِ نَفْسِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُسَافِرَ أَنْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُقِيمِ اعْتِبَارًا بِحَالِ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ مؤدٍ لِلصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَجَازَ أَنْ يَقْصُرَهَا كَالْمُنْفَرِدِ
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute