وَالثَّانِي: مَا رَوَاهُ عُبَيْدُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ) . وَإِرْسَالُ هَذَا الْحَدِيثِ أَثْبَتُ مِنْ إِسْنَادِهِ.
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ مَا اشْتُهِرَ نَقْلُهُ فِي الْأَمَةِ أَنَّ عَائِشَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا - أَرَادَتْ شِرَاءَ بَرِيرَةَ لِتُعْتِقَهَا فَاشْتَرَطَ مُوَالِيهَا الْوَلَاءَ لَهُمْ، فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: (اشْتَرِي وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ، فَفَعَلَتْ) . فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ، وَقَالَ: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ. كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ. الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) .
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ لِإِنْعَامِهِ بِالْعِتْقِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧] يَعْنِي زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ أَنْعَمَ الله عليه بالإسلام وأنعم الرسول
عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ السَّيِّدُ الْمُعْتِقُ: الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ، وَسُمِّيَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ: الْمَوْلَى الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى يَنْطَلِقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُعْتِقِ وَالْمُعْتَقِ فَاحْتَاجَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي اسْمِ الْمَوْلَى إِلَى مَا يَتَمَيَّزَانِ بِهِ فَقِيلَ فِي تمييزهم امولى أَعْلَى وَمَوْلًى أَسْفَلَ، وَقِيلَ: مَوْلَى نِعْمَةٍ، وَمَوْلَى منعم عليه.
فَصْلٌ
فَإِذَا ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَاءِ لِكُلِّ مُعْتِقٍ، فَالَّذِي يُسْتَحَقُّ بِالْوَلَاءِ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ:
أَحَدُهَا: الْمِيرَاثُ. يَرِثُ بِهِ مَا يَرِثُهُ الْعَصَبَاتُ عِنْدَ عَدَمِهِمْ، فَيَرِثُ الْأَعْلَى مِنَ الْأَسْفَلِ، وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنَ الْأَعْلَى فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَشَذَّ عَنْهُمْ طَاوُسٌ، فَوَرَّثَ الْأَسْفَلَ مِنَ الْأَعْلَى كَمَا وَرَّثَهُ الْأَعْلَى.
وَالثَّانِي: الْعَقْلُ فِي تَحَمُّلِ دِيَةِ الْخَطَأِ يَعْقِلُ الْأَعْلَى عَنِ الْأَسْفَلِ، وَفِي عَقْلِ الْأَسْفَلِ عَنِ الْأَعْلَى قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ.
وَالثَّالِثُ: الْوِلَايَةُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ إِذَا عُدِمَ عَصَبَاتُ النَّسَبِ قَامَ الْمَوْلَى الْأَعْلَى فِيهِ مَقَامَهُمْ، وَلَا حَقَّ لِلْمَوْلَى الْأَسْفَلِ فِيهِ، وَلَا يَجِبُ بِالْوَلَاءِ نَفَقَةٌ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ من مَحْرَمٌ، وَفِي الْمِيرَاثِ يَسْتَحِقُّهُ الْآبَاءُ ثُمَّ الْأَبْنَاءُ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ عَلَى مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْعَصَبَاتِ، وَالْعَقْلُ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْآبَاءُ وَلَا الْأَبْنَاءُ وَيَتَحَمَّلُهُ مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْعَصَبَاتِ، لِرِوَايَةِ خُصَيْفٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، وَتَرَكَتِ ابْنَهَا وَأَخَاهَا ثُمَّ تُوُفِّيَ بَعْدَهَا مَوْلَاهَا، فَأَتَى ابْنُ الْمَرْأَةِ وَأَخُوهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مِيرَاثِهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (مِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمَرْأَةِ) ، فَقَالَ أَخُوهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَرَّ جَرِيرَةً عَلَى مَنْ كَانَتْ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute