للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِخْوَةَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ ثَلَاثَةٌ وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فقال ما بال الأخوات يحجبن الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: ١١] فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا كُنْتُ لِأُغَيِّرَ شَيْئًا تَوَارَثَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَصَارَ فِي الْآفَاقِ فَدَلَّ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ عُثْمَانَ عَلَى انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَرِضِ الْعَصْرُ عَلَى أَنَّ الْأَخَوَيْنِ يَحْجُبَانِهَا، وَلَمْ يَأْخُذْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَحَدٌ مِمَّنْ تَأَخَّرَ إِلَّا دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إليه إِجْمَاعُ مَنْ حَجَبَهَا بِالِاثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ هو أن كل عدد روعي في تغيير الْفَرْضِ فَالِاثْنَانِ مِنْهُمْ يَقُومَانِ مَقَامَ الْجَمْعِ كَالْأُخْتَيْنِ في الثلثين وكالأخوين من الأم في الثلث، فَكَذَلِكَ فِي الْحَجْبِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ " وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِبَارَةِ عَنِ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: ٢٢] فَذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهُمُ اثْنَانِ وَقَالَ تعالى: {وداود وسليمان إذا يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: ٧٨] فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ الْإِخْوَةِ فِي الْحَجْبِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ حَجْبُهَا بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا سَوَاءٌ كَانَا أَخَوَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ أَخٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أو لأم.

[فصل:]

من فُرُوضِ الْأُمِّ أَنْ تَكُونَ الْفَرِيضَةُ زَوْجًا وَأَبَوَيْنِ فيكون للأم الثلث مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَتَفَرَّدَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِخِلَافِهِمْ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي خَالَفَهُمْ فِيهَا، فَقَالَ لِلْأُمِّ ثلث جميع المال من الزوج والأبوين وفي الزوجة والأبوين استدلالا بقوله تعالى: {وورثه أبواه فلأمه الثلث} [النساء: ١١] فَلَمْ يُجِزْ أَنْ تَأْخُذَ أَقَلَّ مِنْهُ، وَحُكِيَ عن محمد بن سيرين مذهب خالف به القولين فقال أعطيها ثلث ما بقي من زوج وأبوين كقول الجماعة لأنها لا تفضل على الأب وأعطيها من زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهَا لَا تُفَضَّلُ بِذَلِكَ عَلَى الْأَبِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لَهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا ثُلُثَ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ قَوْله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١] فَجُعِلَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ مِنْ مِيرَاثِ الْأَبَوَيْنِ وَمِيرَاثُهُمَا هُوَ مَا سِوَى فَرْضِ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَادَ عَلَى ثُلُثِ مَا وَرِثَهُ الْأَبَوَانِ، وَلِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ إِذَا انْفَرَدَا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِلْأُمِّ ثُلُثُهُ وَلِلْأَبِ ثُلُثَاهُ فَوَجَبَ إِذَا زاحمها ذوو فَرْضٍ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْهُ بَيْنَهُمَا لِلْأُمِّ ثُلُثُهُ وَلِلْأَبِ ثُلُثَاهُ وَلِأَنَّ الْأَبَ أَقْوَى مِنَ الْأُمِّ لِأَنَّهُ يُسَاوِيهَا فِي الْفَرْضِ وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِالتَّعْصِيبِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ أَزْيَدَ سَهْمًا مِنْهُ بِمُجَرَّدِ الرَّحِمِ.

فَإِنْ قِيلَ فَالْجَدُّ يُسَاوِي الْأَبَ إِذَا كَانَ مَعَ الْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ ثُمَّ لِلْأُمِّ مَعَ الزَّوْجِ وَالْجَدِّ ثُلُثُ جميع المال، وإن صارت فيه أقل من الجد كذلك مع الأب قبل الْأَبُ أَقْوَى مِنَ الْجَدِّ لِإِدْلَاءِ الْجَدِّ بِالْأَبِ، وَلِإِسْقَاطِ الْأَبِ مَنْ لَا يَسْقُطُ بِالْجَدِّ، وَلِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْأُمِّ فِي دَرَجَتِهِ مَعَ فَضْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>