فَأَمَّا إِذَا بَاعَهُ دِينَارًا وَثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كَانَ فِي الْعَقْدِ قَوْلَانِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَمَعَ بَيْعًا وَصَرْفًا. لِأَنَّ مَا قَبْلَ الدِّينَارِ مِنَ الدَّرَاهِمِ صَرْفٌ. وَمَا قَابَلَ الثَّوْبَ بَيْعٌ.
وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا وَقَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ بِقَفِيزَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ كَانَ أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَصَرْفٌ لِأَنَّ مَا قَابَلَ الثَّوْبَ مِنَ الْحِنْطَةِ بَيْعٌ وَمَا قَابَلَ الشَّعِيرَ كَالصَّرْفِ لِاسْتِحْقَاقِ القبض قبل التفرق.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَكُلُّ زَيْتٍ وَدُهْنِ لُوزٍ وَجُوزٍ وَبُزُورٍ لَا يَجُوزُ مِنَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَدْهَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا كَانَتْ مِنْ أُصُولٍ مَأْكُولَةٍ وَتَكُونُ بَعْدَ اسْتِخْرَاجِهَا دُهْنًا مَأْكُولَةً كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ، وَدُهْنِ الْجُوزِ وَاللُّوزِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَدُهْنُ الْبُطْمِ وَالصَّنُوبَرِ وَالْخَرْدَلِ وَالْحَبِّ الْأَخْضَرِ فَهَذِهِ كُلُّهَا وَمَا شَاكَلَهَا مَأْكُولَةٌ بَعْدَ اسْتِخْرَاجِهَا وَمَأْكُولَةُ الْأَصْلِ قَبْلَ اسْتِخْرَاجِهَا، فَفِيهَا الرِّبَا لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةٌ بِأَصْلِهَا، فَأَصْلُهَا مَأْكُولَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً بِأَنْفُسِهَا فَهِيَ مَأْكُولَةٌ فَلَمْ تَخْلُ فِي كِلَا الْحَالَيْنِ مِنْ ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا كَانَتْ مِنْ أُصُولٍ غَيْرِ مَأْكُولَةٍ وَتَكُونُ بَعْدَ اسْتِخْرَاجِهَا دُهْنًا غَيْرَ مَأْكُولَةٍ كَدُهْنِ الْمَحْلَبِ وَالْأَلْبَانِ وَالْكَافُورِ فَهَذِهِ وَمَا شَاكَلَهَا غَيْرُ مَأْكُولَةِ الْأُصُولِ وَالْأَدْهَانِ جَمِيعًا فَلَا رِبَا فِيهَا اعْتِبَارًا بِالْحَالَتَيْنِ مَعًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا كَانَتْ مِنْ أُصُولٍ مَأْكُولَةٍ لَكِنَّهَا لَا تَكُونُ بَعْدَ اسْتِخْرَاجِهَا دُهْنًا مَأْكُولَةً كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْخَيْرِيِّ وَالْيَاسَمِينِ فَهَذِهِ فِي أَنْفُسِهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ فِي الْعُرْفِ وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ طِلَاءً لَكِنَّهَا مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ وَهُوَ السِّمْسِمُ فَفِي ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا رِبَا فِيهَا اعْتِبَارًا بِأَنْفُسِهَا.
وَالثَّانِي: فِيهَا الرِّبَا اعْتِبَارًا بِأُصُولِهَا. وَكَذَلِكَ دُهْنُ السَّمَكِ مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ لَكِنَّهُ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مَأْكُولٍ.
وَأَمَّا دُهْنُ الْبَزْرِ وَالْقُرْطُمِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أُصُولِهَا هَلْ هِيَ مَأْكُولَةٌ يَثْبُتُ فِيهَا الرِّبَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا رِبَا فِيهَا فَعَلَى هَذَا لَا رِبَا فِي أَدْهَانِهَا.
وَالثَّانِي: فِيهَا الرِّبَا لِأَنَّهَا قَدْ تُؤْكَلُ.
فَعَلَى هَذَا فِي ثُبُوتِ الرِّبَا فِي أَدْهَانِهَا وَجْهَانِ. لِأَنَّهَا مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ وَفَرْعٍ غير مأكول.