مائة بدنةٍ فقدم علي رضوان الله عليه من الْيَمَنِ فَأَشْرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالثُّلْثِ فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سِتًّا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَأَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ جزورٍ بِنِصْفِهِ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَأَكَلَا مِنَ اللَّحْمِ وَحَسَوْا مِنَ المرقِ " فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ أَكْلِهِ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ مِنْهُ فَيَكُونَ أَكْلُهُ مُبَاحًا وَإِطْعَامُ الْفُقَرَاءِ وَاجِبًا.
وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: إِطْعَامُ الْفُقَرَاءِ مُبَاحٌ كَالْأَكْلِ فَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهَا جاز وقال أبو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ: الْأَكْلُ وَاجِبٌ كَإِطْعَامِ الْفُقَرَاءِ فَإِنْ أَطْعَمَ جَمِيعَهُ الْفُقَرَاءَ لَمْ يَجُزْ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَكْلَ مُبَاحٌ وَالْإِطْعَامَ وَاجِبٌ وَهُوَ أَصَحُّ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْهَدْيِ الْقُرْبَةُ وَالْقُرْبَةُ فِي إِطْعَامِ الْفُقَرَاءِ دُونَ أَكْلِهِ فِي نَفْسِهِ.
فَإِذَا ثبت هذا فالكلام بعد ذلك في فعلين:
أَحَدُهُمَا: فِي الِاسْتِحْبَابِ.
وَالثَّانِي: فِي الْإِجْزَاءِ، فَأَمَّا الِاسْتِحْبَابُ فِي قَدْرِ مَا يَأْكُلُ مِنْهُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ يَأْكُلُ وَيَدَّخِرُ الثُّلُثَ وَيُهْدِي إِلَى الْمُتَحَمِّلِينَ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِالثُّلُثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَر} (الحج: ٣٦) فاقتضى فجعله مشتركاً بينه وبين القانع والمعتر أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْقَانِعُ الَذِي يَقْتَنِعُ بِمَا أَخَذَهُ وَلَا يَسْأَلُ، وَالْمُعْتَرُّ هُوَ الَذِي يَعْتَرِيكَ بِالسُّؤَالِ وَهُوَ الْمُلِحُّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَأْكُلَ وَيَدَّخِرَ النِّصْفَ وَيَتَصَدَّقَ عَلَى المساكين بالنصف لقوله تعالى: {فَكُلُوا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ) {الحج: ٢٨) .
فَصْلٌ
: فَأَمَّا الْكَلَامُ فِي قَدْرِ الْجَائِزِ فَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهُ إِلَّا رِطْلًا وَاحِدًا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِهِ إِلَّا رِطْلًا وَاحِدًا أَكَلَهُ أجزأه وإن تصدق بجميعه ولم يأكل شيء مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهُ وَلَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ وَكَانَ ضَامِنًا وَفِي قَدْرِ مَا يَضْمَنُهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضْمَنَ مِنْهُ قَدْرَ الْجَائِزِ وَهُوَ الْقَلِيلُ الَّذِي لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَجْزَأَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ يَضْمَنُ مِنْهُ قَدْرَ الِاسْتِحْبَابِ وَفِي قَدْرِ الِاسْتِحْبَابِ قَوْلَانِ عَلَى مَا مَضَى. أَحَدُهُمَا: النِّصْفُ.
وَالثَّانِي: الثُّلُثُ، ثُمَّ إِذَا لَزِمَهُ ضَمَانُ قَدْرٍ مِنْهُ فَفِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَضَتْ.
مَسْأَلَةٌ
: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَمَا عَطِبَ مِنْهَا نَحَرَهَا وَخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ