للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال في الأولى: ولو عقد نكاحا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَلْفًا فَالْمَهْرُ فَاسِدٌ. وَهُمَا فِي الصُّورَةِ سَوَاءٌ، وَفِي الْجَوَابِ مُخْتَلِفَانِ.

فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ الْمُزَنِيَّ أَخْطَأَ فِي نَقْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مَسْطُورٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفًا مِنْهَا، أَوْ تُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفًا مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُعْطِيَةَ لِلْأَلْفِ فَهِيَ هِبَةٌ لِلْأَبِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُعْطِيَ لِلْأَلْفِ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ هِبَةً لِلْأَبِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ وَكَالَةً يَتَوَلَّى قَبْضَهَا الْأَبُ فَيَكُونُ الصَّدَاقُ جَائِزًا، لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَلْفَيْنِ صَدَاقٌ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ عَلَيْهَا، وَلَا اشْتَرَطَ لَهَا عَلَى نَفْسِهِ.

وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الشَّرْطُ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي زِيَادَةِ الصَّدَاقِ وَلَا نُقْصَانِهِ، فَسَلِمَ مِنَ الْجَهَالَةِ، فَلِذَلِكَ صَحَّ.

فَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ فَخَطَأٌ، وَجَوَابُهُ كَجَوَابِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، لِتَمَاثُلِهِمَا فِي الصُّورَةِ. وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُ مُتَأَوَّلٌ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ، وَمَحْمُولُ الْجَوَابِ عَلَى مَا صَوَّرُوهُ، لأن في لفظ المسألة دليل عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَهُوَ الْمُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفًا، وَقَالَ فِي الْأُولَى: وَلَوْ عَقَدَ نِكَاحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَلْفًا. فَجَعَلَ لِأَبِيهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْضَ الْأَلْفِ، وَجَعَلَ لِأَبِيهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِلْكَ الْأَلْفِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَلْفَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَدَاقٌ لِلزَّوْجَةِ فَلِذَلِكَ صَحَّ، وَفِي الْأُولَى إِحْدَاهُمَا صَدَاقٌ لَهَا وَالْأُخْرَى لِلْأَبِ، فَلِذَلِكَ بَطَلَ.

ثُمَّ يُوَضِّحُ أَنَّ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، مَا ذَكَرَهُ فِي الْحُكْمِ وَبَيَّنَهُ مِنَ التعليل، لأنه قال: ولما مَنْعُهُ وَأَخْذُهَا مِنْهُ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ الزَّوْجَ مِنْ دَفْعِ مَالِهِ، وَلَا لَهَا أَنْ تَأْخُذَ غَيْرَ صَدَاقِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَلْفَيْنِ كَانَتْ صَدَاقًا لَهَا، ثُمَّ بَيَّنَ فِي التَّعْلِيلِ فَقَالَ: لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ، أَوْ وَكَالَةٌ لَمْ تَتِمَّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ كَانَ مَعْقُودًا عَلَى أَنْ تَهَبَ هِيَ مِنَ الْأَلْفَيْنِ أَلْفًا لِأَبِيهَا، أَوْ تُوَكِّلَهُ فِي قَبْضِهَا فَكَانَتْ عَلَى خِيَارِهَا فِي أَنْ تُتَمِّمَ الْهِبَةَ بِالْقَبْضِ أَوْ تَرْجِعَ فِيهَا، أَوْ تُتَمِّمَ الْوَكَالَةَ أَوْ تُبْطِلَهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ يُرِيدُ بِهَا مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فَقَالَ: وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفًا وَأُمَّهَا أَلْفًا كَانَ الْكُلُّ لِلزَّوْجَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْكُلُّ لَهَا إِذَا كَانَ الْكُلُّ صَدَاقًا تَكُونُ لَهَا بِالتَّسْمِيَةِ لَا بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا قَالَ مَالِكٌ.

فَصْلٌ: فِي الشروط التي تدخل النكاح

[مسألة]

قال الشافعي: " وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفًا عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تخرج أو على أن لا يخرجها من بلدها أو على أن لا يَنْكِحَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يَتَسَرَّى أَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ مَنْعَ مَالِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ فَلَهَا مَهْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>