للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا كَانَتِ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً فَجُنَّ السَّيِّدُ، أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ بَطَلَتِ الْكِتَابَةُ وَلَمْ يَقَعِ الْعِتْقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ وَإِنْ لَمْ تَبْطُلِ الْكِتَابَةُ الصَّحِيحَةُ، لِأَنَّ وُقُوعَ الْحَجْرِ بِالْجُنُونِ وَالسَّفَهِ يُبْطِلُ مَا لَا يَلْزَمُ مِنَ الْعُقُودِ كَالْوِكَالَاتِ، وَلَا يُبْطِلُ بِهَا مَا لَزِمَ فَيَصِيرُ بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَاقِعًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: إِبْطَالُ السَّيِّدِ لَهَا وَالْحَاكِمِ إِنْ سَأَلَهُ.

وَالثَّانِي: مَوْتُ السَّيِّدِ.

وَالثَّالِثُ: وُقُوعُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ.

فَإِذَا بَطَلَتْ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَقَعِ الْعِتْقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ وَكَانَ الْعَبْدُ عَلَى رِقِّهِ وَالْمَالُ الْمُؤَدَّى مِلْكًا لِسَيِّدِهِ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي دِينَارًا فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ جُنَّ السَّيِّدُ لَمْ يَبْطُلْ مَا عَقَدَهُ مِنْ عِتْقِ عَبْدِهِ بِالدَّيْنَارِ، لِأَنَّ هَذَا لَازِمٌ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ رَفْعُهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ بِالْجُنُونِ، وَجَرَى مَجْرَى الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ فِي لُزُومِهِ وَبَقَائِهِ، بَعْدَ الْجُنُونِ عَلَى حُكْمِهِ وَخَالَفَ حُكْمَ الكتابة الفاسدة من هذا الوجه.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَخْبُولًا عَتَقَ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ لَا تَبْطُلُ بِجُنُونِ الْعَبْدِ وإن بطلت بجنون السيد، فإن جن أو حجر عليه لسنه كَانَ حُكْمُ الْكِتَابَةِ بَاقِيًا يَعْتِقُ بِهَا بِالْأَدَاءِ كَالْعِتْقِ بِالصِّفَةِ.

وَالْفَرْقُ فِيهَا بَيْنَ جُنُونِهِ، وَجُنُونِ السَّيِّدِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ رَفْعَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ، وَإِنْ مَلَكَهُ السَّيِّدُ فَلِذَلِكَ لَا تَبْطُلُ بِجُنُونِ الْعَبْدِ وَإِنْ بَطَلَتْ بِجُنُونِ السَّيِّدِ.

وَالثَّانِي: أنَّ وُقُوعَ الْحَجْرِ عَلَى السَّيِّدِ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ كِتَابَتِهِ، فَلِذَلِكَ بَطَلَتْ بِوُقُوعِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالَ الْعَبْدِ، لِأَنَّ حَجْرَ الرِّقِّ لَا يُؤَثِّرُ فِي كِتَابَتِهِ، كَذَلِكَ حُدُوثُ الْحَجْرِ بِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ، لَا يُوجِبُ بُطَلَانَ كِتَابَتِهِ، وَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ بِجُنُونِ الْعَبْدِ وَسَفَهِهِ فَأَدَّاهَا السَّيِّدُ مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ عَتَقَ، فَأَمَّا التَّرَاجُعُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ فَيَنْقَسِمُ حَالُ الْعَبْدِ الْمَجْنُونِ فِي عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُكَاتِبَهُ السَّيِّدُ كِتَابَةً صَحِيحَةً، ثُمَّ يُجَنَّ الْعَبْدُ فَيُؤَدِّيَ مَالَ كِتَابَتِهِ فِي حَالِ جُنُونِهِ، فَهَذَا يُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ عَنْ كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ فَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ الْمُؤَدِّي هُوَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>