للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُكَاتِبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَيَتَأَدَّاهَا مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ. فَهَذَا لَا يُعْتَقُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ وَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُعَاوَضَاتِ وَلَا مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ ضَمَانُ مَالٍ، فَكَانَتِ الْكِتَابَةُ مَعَهُ بَاطِلَةً، فَتَجَرَّدَ فِيهَا الْعِتْقُ بِالصِّفَةِ الْمَحْضَةِ، وَسَقَطَ فِيهَا حُكْمُ الْبَدَلِ.

وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِمَا أَنْ لَا تَرَاجُعَ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ بِأَدَائِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَسْطُورُ الْمَسْأَلَةِ - أَنْ يُكَاتِبَهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ كِتَابَةً فَاسِدَةً، ثُمَّ يُجَنَّ الْعَبْدُ، فَيَتَأَدَّاهَا السَّيِّدُ مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَيَعْتِقَ بِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحَبِهِ بِشَيْءٍ، وَنَقَلَ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ أَنَّ السَّيِّدَ يَرْجِعُ عَلَى عَبْدِهِ بَعْدَ إِفَاقَتِهِ بِقِيمَتِهِ، وَيَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا تَأَدَّاهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ، وَيَكُونُ الْقِصَاصُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ طُرُقٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ:

أحدهما: لا يتراجعان على نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ، لِأَنَّ مَا اسْتَهْلَكَهُ الْمَجْنُونُ عَنْ مُعَاوَضَةٍ فَاسِدَةٍ لَمْ يَضْمَنْهُ كَالْمَجْنُونِ، إِذَا اشْتَرَى وَتَسَلَّمَ مَا اشْتَرَى فَاسْتَهْلَكَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ كَانَ عَاقِلًا ضَمِنَهُ فَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَتَرَاجَعَانِ الْقِيمَةَ عَلَى مَا نَقَلَهُ الرَّبِيعُ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ عَنْ كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ، وَجُنُونُهُ فِي الْأَدَاءِ كَالصِّحَّةِ فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِمَثَابَتِهِ فِي الْغُرْمِ، فَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ اخْتِلَافَ النَّقْلِينَ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَنَقَلَ الْمُزَنِيُّ أَنَّهُمَا لَا يَتَرَاجَعَانِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْعَبْدُ مَجْنُونًا فِي حَالِ الْكِتَابَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَنَقْلُ الرَّبِيعِ فِي وُجُوبِ التَّرَاجُعِ بَيْنَهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ إِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ بَعْدَهَا فِي حَالِ الْأَدَاءِ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ نَقْلَ الرَّبِيعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي وُجُوبِ التَّرَاجُعِ وَنَقْلَ الْمُزَنِيِّ خَطَأٌ، لِأَنَّهُ زَادَ فِيهِ لَا سَهْوًا مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>