باب بيع المصرّاة
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيْعِ فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَالتَّصْرِيَةُ أَنْ تَرْبِطَ أَخْلَافَ النَّاقَةِ أَوِ الشَّاةِ ثَمَّ تَتْرُكَ مِنَ الْحِلَابِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا لَبَنٌ فَيَرَاهُ مُشْتَرِيهَا كَثِيرًا فَيَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا لِذَلِكَ ثُمَّ إِذَا حَلَبَهَا بَعْدَ تِلْكَ الْحَلْبَةِ حَلْبَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَبَنِهَا لِنُقْصَانِهِ كُلَّ يَوْمٍ عَنْ أَوَّلِهِ وَهَذَا غُرُورٌ لِلْمُشْتَرِي وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْكَثْرَةِ وَالْأَثْمَانِ فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَدَلَهَا ثَمَنًا وَاحِدًا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا التَّصْرِيَةُ فَهِيَ الْجَمْعُ، يُقَالُ صَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ، إِذَا جَمَعْتَهُ.
قَالَ الْأَغْلَبُ:
(رب غلام قد صرى في فقرته ... ماء الشباب عنفوان سنبته)
وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الصُّرَّةُ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ مَا فِيهَا، قَالَ الشَّاعِرُ:
(إِنَّا صَرَيْنَا حُبَّ لَيْلَى فَانْبَتَرْ ... وَغَرَّنَا مِنْهُ وَكَانَ مِنْ شَعَرْ)
فَقِيلَ شَاةٌ مُصَرَّاةٌ لِأَنَّ اللَّبَنَ قَدْ صَرَى فِي ضَرْعِهَا أَيْ جُمِعَ وَيُقَالُ مُحَفَّلَةٌ أَيْضًا وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدِ احْتَفَلَ الْقَوْمُ إِذَا اجْتَمَعُوا، وَهَذَا مَحْفِلٌ مِنَ النَّاسِ أَيْ جَمْعٌ، فَالتَّصْرِيَةُ غِشٌّ وَخِدَاعٌ لِلْمُشْتَرِي، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ شَاةً فَحَلَبَهَا فَبَانَتْ مُصَرَّاةً كَانَتْ عَيْبًا وَلَهُ الرَّدُّ وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ والفقهاء.
إلا أبا حنيفة ومحمد فَإِنَّهُمَا خَالَفَا الْكَافَّةَ وَقَالَا لَا رَدَّ لَهُ فَمِنْ أَصْحَابِهِمَا مَنْ قَالَ هِيَ عَيْبٌ لَكِنَّ حِلَابَ اللَّبَنِ نَقْصٌ يَمْنَعُ مِنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَاسْتِدْلَالُهُمْ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: دَفْعُ الْخَبَرِ الْمَعْمُولِ عَلَيْهِ فِي التَّصْرِيَةِ بِوُجُوهٍ نَذْكُرُهَا مِنْ بعد:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute