وَالثَّانِي: أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمَعْنَى فِي أَنَّ التَّصْرِيَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ وَذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنْ كَبِرَ الضَّرْعُ بِالتَّصْرِيَةِ وَظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ لَبَنَ الْعَادَةِ يَجْرِي مَجْرَى كَبِيرَةِ اللَّحْمِ وَالسِّمَنِ وَظَنَّ الْمُشْتَرِي أنه لكبرة اللَّبَنِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا عَيْبًا يُوجِبُ الرَّدَّ لَمْ تَكُنِ التَّصْرِيَةُ عَيْبًا تُوجِبُ الرَّدَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْجَوْفُ مَلِيًّا بِالْعَلَفِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ حَمْلٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ كِبَرَ الضَّرْعِ بِالتَّصْرِيَةِ لَوْ كَانَ عَيْبًا إِذَا شَاهَدَهُ الْمُشْتَرِي لَكَانَ عَيْبًا وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْهُ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عَيْبًا مَعَ فَقْدِ الْمُشَاهَدَةِ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا مَعَ الْمُشَاهَدَةِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ وُرُودُ السُّنَّةِ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَوَارِدٌ مِنْ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيْعِ فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ ".
وَالثَّانِي: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً أَوْ مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ ".
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنِ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً فَلْيَحْلِبْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَإِنْ رَضِيَ أَمْسَكَ وَإِلَّا فَإِنْ رَدَّهَا يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا ".
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عمر فرواه أبو داود عن أبو كَامِلٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ بَاعَ مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا مِثْلَ أَوْ مثليْ لَبَنِهَا قَمْحًا ". فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: نَهْيُهُ عَنِ التَّصْرِيَةِ لِلْبَيْعِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ التَّصْرِيَةَ تَدْلِيسٌ وَعَيْبٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ وَالرَّدُّ إِنَّمَا يَكُونُ بِعَيْبٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَوْجَبَ بَدَلًا مِنْ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ رَدَّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ لَبَنُ