[(باب الشهادة على الشهادة)]
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِكِتَابِ الْقَاضِي فِي كل حق للآدميين مالا أو حدا أو قصاصا وَفِي كُلِّ حَدٍّ لِلَّهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَجُوزُ، وَالْآخَرُ لَا تَجُوزُ مِنْ قِبَلِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَجَائِزَةٌ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِهَا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ وَثِيقَةٌ مُسْتَدَامَةٌ وَقَدْ يَطْرَأُ عَلَى الشَّاهِدِ مِنِ احْتِدَامِ الْمَنِيَّةِ، وَالْعَجْزِ عَنِ الشَّهَادَةِ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَرَضٍ مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ فِيهِ إِلَى الْإِرْشَادِ عَلَى شَهَادَتِهِ لِيَسْتَدِيمَ بِهَا الْوَثِيقَةَ وَلَا يَقْوَى بِهِ الْحَقُّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ خَبَرٍ شَهَادَةٌ، فَلِمَا جَازَ نَقْلُ الْخَبَرِ لِاسْتِدَامَةِ الْعِلْمِ بِهِ، جَازَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ لِاسْتِدَامَةِ التَّوْثِيقِ بِهَا. فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُهَا، فَالْكَلَامُ فِيهَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ فُصُولٍ:
أَحَدُهُمَا: فِي وُجُوبِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.
وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ شَاهِدِ الْأَصْلِ إِذَا دَعَاهُ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ، وله حالتان:
أحدهما: أَنْ يُجِيبَ إِلَيْهَا، فَيَكُونُ بِالْإِجَابَةِ مُحْسِنًا، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ عَجَزَ عنه.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهَا، فَلَهُ حَالَتَانِ:
إحَدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ. فَلَا تَلْزَمُهُ الشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَتِهِ، لِأَنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ مُوجِبٌ لِأَدَائِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ. وَلَيْسَ بِمُوجِبِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَلْزَمُهُ غَيْرُ الْمَقْصُودِ بِتَحَمُّلِهَا.
والحال الثالثة: أَنْ يَعْجِزَ عَنْ أَدَائِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ إِمَّا لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ، أَوْ لِسَفَرٍ وَنَقْلَةٍ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَى شَهَادَتِهِ.