للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاعْتَبَرَ الْفِطْرَةَ بِالْمُؤْنَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَعْتَبِرْهَا بِالْوِلَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ أبو حنيفة فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ مِنَ الْأُخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ، فَلَا تَجِبُ نَفَقَاتُهُمْ وَلَا زَكَاةُ فِطْرِهِمْ، وَأَوْجَبَ أبو حنيفة نَفَقَةَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، وَلَمْ يُوجِبْ زَكَاةَ فِطْرِهِ وسيأتي الكلام معه من ذلك إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا ذَوُو الْأَسْبَابِ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: الْمَمْلُوكُونَ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَقَدْ مضى الكلام فيه:

والضرب الثاني: الزوجان فَعَلَى الزَّوْجِ عِنْدَنَا زَكَاةُ فِطْرِهِنَّ سَوَاءٌ كُنَّ أَيْسَارًا أَوْ أَعْسَارًا.

وَقَالَ أبو حنيفة وَصَاحِبَاهُ لَا تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُنَّ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي أَمْوَالِهِنَّ احْتِجَاجًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ، الْخَبَرَ إِلَى أَنْ قَالَ (ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى من المسلمين) وكان عُمُومُ هَذَا مُتَنَاوِلًا لِلزَّوْجَاتِ كَمَا كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلْأَزْوَاجِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ ماله وجبت عليه فِطْرُهُ كَالزَّوْجِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَةُ رَقِيقِهِ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَةُ نَفْسِهِ كَالْخَلِيَّةِ غير ذات الزوج، ولأنه حق لله تَعَالَى يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُتَحَمَّلَ بالزوجة كالزكوات والكفارات، ولأن النكاح عقد مستباح بِهِ الْمَنْفَعَةُ فَلَمْ تَجِبْ بِهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ كَالْمُسْتَأْجَرَةِ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا قُلْنَا، حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فرض صدقة الفطر على كل حر مسلم وعبدٍ ذكرٍ وَأُنْثَى مِمَّنْ تَمُونُونَ، وَالزَّوْجُ مِمَّنْ يُلْزَمُ مُؤْنَتَهَا فَوَجَبَ أَنْ يُلْزَمَ زَكَاةَ فِطْرِهَا وروي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ (أَدُّوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَمُونُونَ) .

وَرَوَى عَطَاءٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " فَرَضَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمَنْ يَمُونُونَ مِنِ امرأةٍ أَوْ ولدٍ أَوْ مملوكٍ أَوْ صغيرٍ أَوْ كبيرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَقَدْ جَاءَ بِمَا يُوَافِقُ الْمُتَّصِلَ فَقَبِلْنَاهُ وَلِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ تَجِبُ بِهِ النَّفَقَةُ جَازَ أَنْ تَجِبَ بِهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ كَالْمِلْكِ وَالنَّسَبِ وَلِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ يُتَحَمَّلُ بِالنَّسَبِ جَازَ أَنْ يُتَحَمَّلَ بِالزَّوْجِيَّةِ كَالنَّفَقَةِ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الطُّهْرَةِ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ شَخْصٍ مِنْ أَهْلِ الطهرة، فوجب أن يلزمه فطره مَعَ الْقُدْرَةِ كَعَبِيدِهِ وَصِغَارِ وَلَدِهِ، فَإِنْ قَالُوا هذا باطل بالعبد والمكاتب عليها نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ دُونَ زَكَاةِ الْفِطْرِ، قُلْنَا: إِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا بِالرِّقِّ قَدْ عَدِمَا الْقُدْرَةَ فَإِنْ قَالُوا: فَهَذَا يَبْطُلُ بِالْمُضْطَرِّ فَإِنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاةُ فِطْرِهِ قِيلَ: عَنْ هَذَا جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَفَقَتَهُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَإِنَّمَا لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ يُعْطَاهُ بِالْحَاجَةِ، لِأَنَّ بَاقِيَ بَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ الْمَصْلَحَةِ مَصْرُوفٌ فِي الْحَاجَةِ، فَلَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>