للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّمَانِ وَضِيقِهِ فَقَالَ الْوَلِيُّ: اتَّسَعَ الزَّمَانُ لِلِانْدِمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلِي فِي اسْتِحْقَاقِ الدِّيَتَيْنِ، وَقَالَ الْجَانِي ضَاقَ الزَّمَانُ عَنِ الِانْدِمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلِي فِي أَنْ لَا تَلْزَمَنِي إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ دُونَ الْوَلِيِّ، وَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصْلَ قُرْبُ الزَّمَانِ حَتَّى يُعْلَمَ بُعْدُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْجِنَايَةِ حَتَّى يُعْلَمَ انْدِمَالُهَا.

وَالْحَالُ الْخَامِسَةُ: أَنْ يَخْتَلِفَا فَيَدَّعِي الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ مِنَ الجِنَايَةِ فَاسْتَحَقَّ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ، وَيَدَّعِي الْجَانِي أَنَّهُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ الْجِنَايَةِ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ، فَإِنْ ضَاقَ الزَّمَانُ عَنِ الِانْدِمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، فَإِنِ اتَّسَعَ الزَّمَانُ لِلِانْدِمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ.

(فَصْلٌ)

فَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِضِدِّ الْمَسْطُورِ وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوضِحَةً تُوجِبُ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ الْوَلِيُّ وَالْجَانِي، فَقَالَ الْوَلِيُّ: مَاتَ مِنْ جِنَايَتِكَ فَعَلَيْكَ دِيَةُ النَّفْسِ أَوِ الْقِصَاصُ فِيهَا، وَقَالَ الْجَانِي: بَلْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِي فَلَيْسَ عَلَيَّ إِلَّا دِيَةُ الْمُوضِحَةِ، فَإِنْ ضَاقَ الزَّمَانُ عَنِ الِانْدِمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَوِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَإِنِ اتَّسَعَ الزَّمَانُ لِلِانْدِمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ فِي أَنْ لَمْ يَجِبْ بِالْجِنَايَةِ إِلَّا دِيَةُ مُوضِحَةٍ وَأَنَّ النَّفْسَ لَا قِصَاصَ فِيهَا، فَصَارَ الْجَوَابُ بِضِدِّ مَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهَا بضده والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَيُحْضِرُ الْإِمَامُ الْقِصَاصَ عَدْلَيْنِ عَاقِلَيْنِ حَتَّى لَا يُقَادَ إِلَّا بِحَدِيدَةٍ حَادَّةٍ مُسْقَاةٍ وَيَتَفَقَّدَ حَدِيدَهُ لِئَلَّا يُسَمَّ فَيُقْتَلَ مِنْ حَيْثُ قُطِعَ بِأَيْسَرَ مَا يَكُونُ بِهِ الْقَطْعُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُحْضِرَ الْقِصَاصَ عَدْلَيْنِ شَاهِدَيْنِ لِيَشْهَدَا بِاسْتِيفَائِهِ إِنِ اسْتُوفِيَ، وَبِالتَّعَدِّي فِيهِ إِنْ تُعُدِّيَ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: " عَدْلَيْنِ عَاقِلَيْنِ "، وَالْعَدْلُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَاقِلًا فمنه ثلاثة أجوبة:

أحدهما: أَنَّهُ قَالَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّأْكِيدِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٢٦] وَ {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ} [آل عمران: ١٦٧] .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعَقْلِ ثَبَاتَ النَّفْسِ وَسُكُونَ الْجَأْشِ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْقِصَاصِ، وَلَيْسَ كُلُّ عَدْلٍ يَمْكُنُ جَأْشُهُ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ قَالَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيُّ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعَقْلِ الْفِطْنَةَ وَالتَّيَقُّظَ لِيَفْطِنَ بِمَا يَجْرِي مِنِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ حَقٍّ أَوْ تَعَدٍّ، إِذْ لَيْسَ كُلُّ عَدْلٍ يَفْطِنُ لِذَلِكَ قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِيُّ، فَإِنْ غَابَ الشَّاهِدَانِ عَنِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَكَانَ الْمُسِيءُ هُوَ الْحَاكِمَ بِالْقِصَاصِ دُونَ الْمُسْتَوْفِي لَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>