إِحْلَافُهُ لِأَنَّ مَا غَرِمَهُ مِنَ الْقِيمَةِ قَدْ وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ كَانَ لَهُ إِحْلَافُهُ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ عَلَى الْغَصْبِ لَلَزِمَهُ أَنْ يَدْفَعَ إليه باقي القيمة.
والحال الثالث: أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالْعِتْقُ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ وَإِنْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الْمِلْكِ بِالتَّصْدِيقِ فَقَدْ بَقِيَ حَقَّانِ:
أَحَدُهُمَا: لِلْعَبْدِ.
وَالثَّانِي: لِلَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُغَرَّمَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إِحْلَافُ البائع لأن حقه في القيمة وقد وَصَلَ إِلَيْهَا مِنَ الْمُشْتَرِي إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ بِهَا الْمُشْتَرِي فَيَجُوزُ لَهُ إِحْلَافُ الْبَائِعِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي إِحْلَافَ الْبَائِعِ فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ رد الثمن كله.
والحال الرابع: أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي إِبْطَالِ الْعِتْقِ لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْعَبْدُ أَيْضًا لَمْ يَبْطُلِ الْعِتْقُ لِبَقَاءِ حَقِّ اللَّهِ وَحْدَهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْخِيَارُ فِي الرُّجُوعِ بِقِيمَتِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَإِنْ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعَ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ إِلَّا أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْقِيمَةِ رَجَعَ بِالْقِيمَةِ وَرُدَّ الثَّمَنُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهِ تقاضا وترادا الزيادة فإن رجع المغصوب بها ابتداءاً عَلَى الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الذي قبضه دون القيمة.
(مسألة كسر صليب النصراني)
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَسَرَ لِنَصْرَانِيٍّ صَلِيبًا فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لشيءٍ مِنَ الْمَنَافِعِ مُفَصَّلًا فَعَلَيْهِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُفَصَّلًا وَمَكْسُورًا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الصَّلِيبُ فَمَوْضُوعٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ لِزَعْمِهِمْ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قُتِلَ وَصُلِبَ عَلَى مِثْلِهِ فَاعْتَقَدُوا إِعْظَامَهُ طَاعَةً وَالتَّمَسُّكَ بِهِ قُرْبَةً وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بتكذيبهم فيه ومعصيتهم به فقال: (سبحانه) {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) {النساء: ١٥٧، ١٥٨) وقال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ} وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكِتَابَةَ رَاجِعَةٌ إِلَى عِيسَى وَتَقْدِيرُهُ وَمَا قَتَلُوا عِيسَى يَقِينًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا كِنَايَةٌ تَرْجِعُ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ. وَتَقْدِيرُهُ وَمَا قَتَلُوا لِلْعِلْمِ بِهِ يَقِينًا مِنْ قَوْلِهِمْ قَتَلْتُ ذَلِكَ عِلْمًا إِذَا تَحَقَّقْتُ وَمِنْهُ مَا جَاءَ الْحَدِيثُ بِهِ قَتَلَتْ أَرْضٌ جَاهِلَهَا وَقَتَلت أَرْض عَالِمهَا فَإِنْ لَمْ يُجَاهِرُونَا بِالصَّلِيبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَهْجُمَ عَلَيْهِمْ فِي بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَأَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ تَعْظِيمِهِ كَمَا نُقِرُّهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَإِنْ جَاهَرُونَا بِهِ وَجَبَ إِنْكَارُهُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ نُقِرَّهُمْ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute