للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ:

وَأَمَّا مَنْ أَدَانَ فِي مَصْلَحَةِ غَيْرِهِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ أَدَانَ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فِي تَحَمُّلِ دِيَةٍ لِنَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ كَفَّ بِهَا فِتْنَةً بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ وَقَطَعَ بِهَا حَرْبًا بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ، فَهَذَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مَعَ الْفَقْرِ والغنى الناض والعقار ولا يراعى فيه فقر، وَلَا اعْتِبَارٌ لِرِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ هَارُونَ بْنِ رَبَابٍ عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ: أَنَّهُ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَهُ فَقَالَ نُؤَدِّيهَا عَنْكَ وَنُخْرِجُهَا مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ حُرِّمَتْ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جائحة فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قَوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٍ أصابته حاجة وَفَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الحجى من قومه إن قد حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قَوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ سُحْتٌ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ غُرْمٌ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَكَانَ أَوْلَى مِنَ الْغُرْمِ فِي الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُعْطَى فِي الْغُرْمِ مَنْ حَاجَتِهِ إِلَيْنَا، فَأَوْلَى أَنْ يُعْطَى فِي الْغُرْمِ مَنْ حَاجَتِنَا إِلَيْهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَدْ أَدَانَ فِي صَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فِي غُرْمِ مَالٍ كَفَّ بِهِ فِتْنَةً وَمَنَعَ بِهِ حَرْبًا فَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مَعَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى بِالْعَقَارِ وَفِي جَوَازِ إِعْطَائِهِ مَعَ الْغِنَى وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ كَالْغُرْمِ فِي الدَّمِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ قَطْعِ الْفِتْنَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ لِلدَّمِ فَضْلًا عَلَى غَيْرِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ أَدَانَ فِي مَصْلَحَةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ فِتْنَةٍ وَلَا مَنْعِ حَرْبٍ كَرَجُلٍ أَدَانَ فِي عِمَارَةِ مَسْجِدٍ أَوْ جَامِعٍ أَوْ بِنَاءِ حِصْنٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ أَوْ فَكِّ أَسْرَى أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى ذلك من المصالح العامة التي تتعلق لحسم فِتْنَةٍ، فَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مَعَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى بِالْعَقَارِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مَعَ الْغِنَى بِالنَّاضِّ؛ لِأَنَّهُ فِي النَّفْعِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُتَرَدِّدًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْغَارِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ دَيْنِهِ، وَيَكُونُ الْغَارِمُ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِقَبْضِهِ وَدَفْعِهِ إِلَى غُرَمَائِهِ، فَإِنْ دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ أَوِ الْعَامِلُ حَقَّهُ إِلَى غُرَمَائِهِ بِإِذْنِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي يَجُوزُ دَفْعُ حَقِّهِ إِلَى سَيِّدِهِ بِأَمْرِهِ وَغَيْرِ أَمْرِهِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّ سَيِّدِهِ، وَلَيْسَ الْغَارِمُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي دُيُونِ غُرَمَائِهِ، فَلَوْ كَانَ الْغَارِمُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ فَدَفَعَ إِلَى غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَجْرِ فِي مَعْنَى الْمُكَاتَبِ، فَلَوْ كَانَ دَيْنُ الْغَارِمِ مُؤَجَّلًا فَفِي جَوَازِ الدَّفْعِ إِلَيْهِ وَجْهَانِ كَالْمُكَاتَبِ قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ عَلَيْهِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا أَخَذَ الْغَارِمُ سَهْمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي دَيْنِهِ وَهُوَ بالخيار في دفعه إلى غرمائه شَاءَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَارِمًا فِي حَمَالَةِ دِيَةٍ قَدْ أُعْطِيَ فِيهَا مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ مع غنائه،

<<  <  ج: ص:  >  >>