للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ خَيْطًا وَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ لَمْ يُكَلَّفِ الرَّدَّ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ عَلَى دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِالْقَبْضِ فَإِنْ قَبَضَ بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ جَازَ فِيمَا قَبَضَ وَانْتُقِضَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ إِذَا رَضِيَ بِذَلِكَ الْمُصَالِحُ الْقَابِضُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ فَاعْتَرَفَ بِهَا وَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ إِذَا تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ.

لِأَنَّ أَخْذَ الدَّرَاهِمِ عِوَضًا عَنِ الدَّنَانِيرِ صَرْفٌ يَلْزَمُ فِيهِ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ

وَهَذَا يُوَافِقُنَا عَلَيْهِ أبو حنيفة فَلَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَ الصُّلْحَ مُعَاوَضَةً يَبْطُلُ بِالْإِنْكَارِ.

وَلَوْ كَانَ لِإِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ حَتَّى يَجُوزَ مَعَ الْإِنْكَارِ لَجَازَ فِيهِ إِسْقَاطُ حُكْمِ الرِّبَا وَإِنْ تَقَابَضَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ.

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَخْلُ حَالُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَقَابَضَا جَمِيعَ الْأَلْفِ قَبْلِ الِافْتِرَاقِ فَقَدِ انْتَجَزَ الصُّلْحُ وَانْبَرَمَ وَسَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ بِالدَّنَانِيرِ وَاسْتَوْفَى مَا تَضَمَّنَهُ عَقْدُ الصُّلْحِ مِنَ الدَّرَاهِمِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَيَعُودُ الْمُصَالِحُ إِلَى حَقِّهِ مِنَ الدَّنَانِيرِ فَيُطَالِبُ بِهَا دُونَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَتَقَابَضَا بَعْضَ الدَّرَاهِمِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَيَبْقَى بَعْضُهَا فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ.

فَأَمَّا فِي الْمَقْبُوضِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّ الْفَسَادَ الطَّارِئَ بَعْدَ الْعَقْدِ بمثابة الفساد المقترن بالعقد، يكون الصُّلْحُ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ لِبُطْلَانِهِ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ.

وَالثَّانِي: جَائِزٌ.

وَعَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا إِنَّ الْفَسَادَ الطَّارِئَ بَعْدَ الْعَقْدِ مُخَالِفٌ لِمَا فَارَقَ الْعَقْدَ. وَإِنَّ فَسَادَ بَعْضِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الصَّفْقَةُ بِمَا يَأْتِي مِنَ الْفَسَادِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ مَا بَقِيَ إِذَا عَرِيَ عَنِ الْفَسَادِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الصُّلْحُ فِي الْمَقْبُوضِ جَائِزًا قَوْلًا وَاحِدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>