للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: شَرْحُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَمَةً وَعَبْدًا أَعْمَيَيْنِ فَأَبْصَرَا فَهَذِهِ زِيَادَةٌ لَا تَتَمَيَّزُ فَيَكُونُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمِهِمَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فَكَبِرَا، فَإِنَّ الْكِبَرَ مُعْتَبَرٌ فإن كان مقارناً بحال الصغر، وَمَنَافِعُ الصِّغَرِ فِيهِ مَوْجُودَةٌ، فَهَذِهِ زِيَادَةٌ لَا تَتَمَيَّزُ فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى. وَإِنْ كَانَ كِبَرًا بَعِيدًا يَزُولُ عَنْهُ مَنَافِعُ الصَّغِيرِ فِي الْحَرَكَةِ وَالسُّرْعَةِ وَقِلَّةِ الْحِسِّ، فَفِيهِ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ لَا يَتَمَيَّزَانِ فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى.

وَجَمِيعُ الْمَسَائِلِ الْوَارِدَةِ فَلَيْسَ يَخْرُجُ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الأقسام. والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي: " وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَقْضِ لَهُ الْقَاضِي بِنِصْفِهِ فَتَكُونُ هِيَ حِينَئِذٍ ضَامِنَةً لِمَا أَصَابَهُ في يديها ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا أَرَادَهُ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ: " هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي لَهُ بِنِصْفِهِ " عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ: أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَمَاءِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لِلزَّوْجَةِ بِأَسْرِهِ، مَا لَمْ يَتَرَافَعَا إِلَى قَاضٍ مَالِكِيٍّ، فَيَقْضِي لِلزَّوْجِ بِنِصْفِ النَّمَاءِ، فَيَصِيرُ الزَّوْجُ مَالِكًا لِنِصْفِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ نُفِّذَ بِاجْتِهَادٍ سَائِغٍ.

وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ " فَتَكُونُ حِينَئِذٍ ضَامِنَةً لِنِصْفِهِ " يَعْنِي لِنِصْفِ النَّمَاءِ إِذَا طَلَبَهُ مِنْهَا فَمَنَعَتْهُ، فَتَصِيرُ بِالْمَنْعِ ضَامِنَةً، فَأَمَّا أَصْلُ الصَّدَاقِ فَلَا يَفْتَقِرُ تَمَلُّكُ الزَّوْجِ لِنِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ إِلَى قَضَاءِ قَاضٍ، لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَا عِنْدَ مَالِكٍ، سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّهُ يَمْلِكُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ أَوْ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ بَعْدَ الطَّلَاقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا: أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ رَاجِعٌ إِلَى أَصْلِ الصَّدَاقِ، إِذَا حَدَثَ فِيهِ زِيَادَةٌ، أَوْ نُقْصَانٌ. فَاخْتَلَفَا فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ أَوْ فِي نِصْفِ الْعَيْنِ، فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِيهِ عَلَى مَا مَضَى بَيَانُهُ إِلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي لَهُ بِنِصْفِ الْعَيْنِ فَيَنْقَطِعُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِهِ، وَيَصِيرُ لَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ، لِأَنَّ الصَّدَاقَ إِذَا كَانَ بَاقِيًا بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ مُؤَثِّرٌ وَلَا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ فِي تَمَلُّكِ الزَّوْجِ لِنِصْفِهِ تَأْثِيرٌ.

فَإِذَا حَدَثَ فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ، صَارَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي نِصْفِ الْعَيْنِ، أَوْ نِصْفِ الْقِيمَةِ مُؤَثِّرًا، وَصَارَ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ تَأْثِيرٌ فِي تَمَلُّكِ الزَّوْجِ لِنِصْفِهِ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ " وَتَكُونُ حِينَئِذٍ ضَامِنَةً لِمَا أَصَابَهُ فِي يَدِهَا " يَعْنِي: لِنُقْصَانِ الصَّدَاقِ بَعْدَ أَنْ قَضَى لَهُ الْقَاضِي بِنِصْفِهِ.

لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَمْلِكْهُ الزَّوْجُ فَلَمْ تَضْمَنِ الزَّوْجَةُ نَقْصَهُ وَبَعْدَ الْقَضَاءِ قَدْ مَلَكَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>