للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّ الشَّعْرَ إِذَا عَادَ نَبَاتُهُ فَلَا دِيَةَ فِيهِ، فَأَمَّا الْحُكُومَةُ فَمُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الشَّعْرِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا شَيْنَ فِي أَخْذِهِ كَشَعْرِ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ وَالشَّارِبِ فَلَا يَجِبُ فِي أَخْذِهِ حُكُومَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَشِينُ أَخْذُهُ كَاللِّحْيَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ فَلَا يَخْلُو حَالُ نَبَاتِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَعُودَ مِثْلَ مَا كَانَ، فَلَا حُكُومَةَ فِيهِ وَيُعَزَّرُ جَانِبُهُ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَعُوَدَ أَخَفَّ مِمَّا كَانَ وَأَقَلَّ فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ مَا نَقَصَ مِنْهُ، سَوَاءٌ عَادَ أَقْبَحَ مِمَّا كَانَ أَوْ أَجْمَلَ، لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مِنْ جَسَدِهِ مَا لَمْ يَعُدْ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَعُودَ أَكْثَفَ مِمَّا كَانَ وَأَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الزِّيَادَةِ قُبْحٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ، وَإِنْ كَانَ فِي الزِّيَادَةِ قَبَاحَةٌ وَشَيْنٌ فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ مَا نَقَصَ بِالْقَبَاحَةِ وَالشَّيْنِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ نَبَاتَ الشَّعْرِ بَعْدَ ذَهَابِهِ لَا يُسْقِطُ مَا وَجَبَ فِيهِ مِنْ حُكُومَةِ أَخْذِهِ.

وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ مَثَّلَ بِالشَّعْرِ فَلَيْسَ لَهُ خَلَاقٌ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ مُثْلَةَ الشَّعْرِ تَغْيِيرُهُ بِالسَّوَادِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَتْفُهُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ حَلْقُهُ فِي الْخُدُودِ وَغَيْرِهَا.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا إِنْ قَلَعَ شَعْرَهُ قَلْعًا لَمْ يَعُدْ نَبَاتُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ فِيهِ الْقِصَاصُ حَتَّى يَذْهَبَ فَلَا يَعُودُ نَبَاتُهُ اقْتُصَّ مِنْهُ مَعَ التَّمَاثُلِ وَالْمُكْنَةِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَعُودَ نَبَاتُهُ فَعَلَيْهِ فِي جَمِيعِهِ حُكُومَةٌ، وَلَا تَبْلُغُ حُكُومَتُهُ دِيَةً، وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّيَةَ فِي الشَّعْرِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: فِي شَعْرِ الرَّأْسِ، وَاللِّحْيَةِ، وَالْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ، فَجُعِلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الدِّيَةُ إِلَّا فِي الْعَبْدِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِي شَعْرِهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، احْتِجَاجًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ رجلاً أفرغ قدر يَغْلِي عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ فَتَمَعَّطَ مِنْهَا شَعْرُهُ فَأَتَى عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ: اصْبِرْ سَنَةً فَصَبَرَ فَلَمْ يَنْبُتْ فَقَضَى عَلي لَهُ بِالدِّيَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ فكان إجماعاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>