للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَيِّتِ وَعَلَى مَنْ لَا يُجِيبُ عَنْ نَفْسِهِ مِنَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَمِنْ شَرْطِ التَّنْفِيذِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمَحْكُومَ لَهُ عَلَى بَقَاءِ حَقِّهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فِيمَا يُنْقَلُ وَمَا لَا يُنْقَلُ، إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِحَاضِرٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْحَاضِرِ لِقَوْلِهِ: غَصَبَنِي هَذَا وَفُلَانٌ الْغَائِبُ عَبْدًا أَوِ ابْتَاعَا مِنِّي دَارًا.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ: يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا يَنْقُلُ، وَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يَنْقُلُ مِنَ الْعَقَارِ، فَهَذِهِ مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَحَاضِرًا فِي بَلَدِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجْرِي مَجْرَى الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ.

أَوْ يَكُونُ كَالْحَاضِرِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ.

عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ حُضُورِهِ لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ كَالْحَاضِرِ فِي الْمَجْلِسِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ كَالْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ، قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: أَحْكُمُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ وَرَاءَ جِدَارٍ، فَهَذِهِ أَحْوَالُ الْغَائِبِ وَاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي القضاء عليه.

(في المنع من القضاء على الغائب) .

(فَصْلٌ) : وَاسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: ٤٨] فَدَلَّ هَذَا الذَّمُّ عَلَى وُجُوبِ الْحُضُورِ لِلْحُكْمِ وَلَوْ نَفَّذَ الْحُكْمَ مَعَ الْغَيْبَةِ لَمْ يَجِبِ الْحُضُورُ وَلَمْ يُسْتَحَقَّ الذَّمُّ.

وَبِمَا رَوَاهُ سِمَاكٌ عَنْ حَنَشِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: وَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْيَمَنَ وَقَالَ لِي: " يَا عَلِيُّ: إِنَّ النَّاسَ سَيَتَقَاضُونَ إِلَيْكَ، فَإِنْ أَتَاكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِيَنَّ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ وَتَعْلَمَ لِمَنِ الْحَقُّ " قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ. قَالُوا فَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْحُكْمِ إِلَّا بَعْدَ سَمَاعِ قَوْلِ الْخَصْمِ فَمَنَعَ هَذَا مِنَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ شَرْعًا.

ثُمَّ مَنَعَ مِنْهُ عُرْفًا قول الشاعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>