[(باب جواز حبس من عليه الدين)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِيعَ مَا ظَهَرَ لَهُ وَدُفِعَ وَلَمْ يُحْبَسْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حُبِسَ وَبِيعَ مَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فإن ذكر عسرة قبلت منه البينة لقول الله جل وعز {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} وأحلفه مع ذلك بالله وأخليه ".
قال الماوردي: وهذا كما قال إذا حجر عَلَى الْمُفْلِسِ بِدُيُونِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا يَظْهَرَ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ بِيعَ فِي دَيْنِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّاهُ الْمُفْلِسُ إِنْ كَانَ حَاضِرًا لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْحَاكِمُ فِيهِ وَلَيْسَ يَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِمِلْكِ مَا بَاعَ إِذَا كَانَ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِبَيْعِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ بَيْعَ مَالِهِ أَوْ حَضَرَ فَامْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَهُ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ تَمَلُّكِهِ لَهُ وَإِذَا ثَبَتَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَيُقَدَّمُ بِالْبَيْعِ إِلَى أَمِينٍ لَهُ وَأَجَازَ الْحَاكِمُ بَيْعَهُ فَإِذَا بِيعَتْ عَلَيْهِ أَمْوَالُهُ الظَّاهِرَةُ فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ فَكَّ حَجْرَهُ فِي الْحَالِ لِزَوَالِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْحَجْرَ وَالْحَجْرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَرْتَفِعُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ بِرَفْعِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا بِيعَ مِنْ مَالِهِ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ كَانَ فِيمَا بَقِيَ منه كمن لم يظهر له مال وإذا لم يظهر له مال سُئِلَ عَنْ مَالِهِ؟ فَإِنْ ذَكَرَ مَالًا حُكِمَ فِيهِ بِمَا ذَكَرْنَا فِي مَالِهِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَالًا وَادَّعَى الْعُسْرَةَ. سُئِلَ الْغُرَمَاءُ عَنْهُ فَإِنْ صَدَّقُوهُ فِي الْإِعْسَارِ خُلِّيَ عَنْهُ وَلَمْ يَحْبِسْهُ وَفَكَّ حَجْرَهُ لِيَكْتَسِبَ بِتَصَرُّفِهِ مَا يَكُونُ مَصْرُوفًا فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ وَإِنْ كَذَّبُوهُ فِي الْإِعْسَارِ وَادَّعَوْا عَلَيْهِ الْيَسَارَ لَمْ تَخْلُ حَالُ الدُّيُونِ الَّتِي لَزِمَتْهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَالٌ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ كَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَصَدَاقِ الزَّوْجَاتِ وَغُرْمِ الْعَوَارِي وَالضَّمَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْإِعْسَارِ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْإِعْسَارُ وَيُفَكُّ حَجْرُهُ وَيُطْلَقُ وَلَا يُحْبَسُ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْغُرَمَاءُ الْبَيِّنَةَ بِيَسَارِهِ - فَإِنْ كَانَتْ دُيُونُهُ فِي مُقَابَلَةِ مال كأثمان المبيعات ويدل الْقَرْضِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَاهُ الْإِعْسَارَ لِثُبُوتِ يَسَارِهِ بِمَا صَارَ إِلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِهِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِإِعْسَارِهِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِهِ نُظِرَ فِي الْبَيِّنَةِ فَإِنْ شَهِدَتْ بِهَلَاكِهِ وَتَلَفِهِ سُمِعَتْ سَوَاءٌ كَانَ الشُّهُودُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ بِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ بِثُبُوتِ جَائِحَةٍ قَدْ يَعْلَمُهَا الْبَعِيدُ كَمَا يَعْلَمُهَا الْقَرِيبُ وَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ بِإِعْسَارِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْهَدُوا بِتَلَفِ مَالِهِ. فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ فِيهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute