للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: قد بطلت لزوال عقله بالجنون، فَعَلَى هَذَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ إعفاء المريض استراحة بالنوم، وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرَضِ الْمُؤْلِمِ الَّذِي لَيْسَ بِاسْتِرَاحَةٍ فِي إِبْطَالِ الْوِلَايَةِ، فَعَلَى هَذَا يَنُوبُ عَنْهُ الْحَاكِمُ فِي التَّزْوِيجِ وَلَا تَنْتَقِلُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ " أَوْ بِهِ عِلَّةٌ تُخَرِجُهُ مِنَ الْوِلَايَةِ " وَفِيهَا تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْأَمْرَاضَ الْمَانِعَةَ مِنَ الْوِلَايَةِ فَمِنْهَا مَا آلَمَ كَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ، وَمِنْهَا مَا أَثَرُهُ فِي التَّمْيِيزِ كَالْأَعْمَى، وَفِي إِضَافَةِ الْعَمَى والخرس إليهما وجهان:

التأويل الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ الْأَسْبَابَ الْمَانِعَةَ مِنَ الْوِلَايَةِ كَالْكُفْرِ، وَالرِّقِّ، وَالرِّدَّةِ.

فَأَمَّا الْفِسْقُ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ بِكُلِ حالٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا يمنع منه بِحَالٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أنه لم إِنْ كُانْ مِمَّنْ يُجْبِرُ كَالْأَبِ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ بِالْفِسْقِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُجْبِرُ كَالْأَخِ لَمْ تَبْطُلْ وِلَايَتُهُ بِالْفِسْقِ.

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ إنَّهُ إِنْ كَانَ الْفِسْقُ موجباً للحجر بَطَلَتْ بِهِ الْوِلَايَةُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوجِبٍ له لَمْ تَبْطُلْ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ، فَأَمَّا الْخُنْثَى فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى إشكاله فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ زَوَالُهُ بِقَوْلِهِ؛ كَإِخْبَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّ طَبْعَهُ يَمِيلُ إلى الرجال حتى زوج امرأة ولا وِلَايَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ قِيلَ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى غَيْرِهِ.

وَالضَّرْبُ الثاني: أن يكون قد زال تعيناً لإمارة لَا يُرْتَابُ بِهَا فَلَهُ الْوِلَايَةُ لِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ بالرجال في جميع الأحوال.

فأما الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَمَانَعٌ مِنَ الْوِلَايَةِ سواء كَانَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمُضِيِّ فِيهِمَا وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْوِلَايَةُ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِإِحْرَامِهِ كَالْعَاضِلِ فَيُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ عَنْهُ وَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ عَنْهُ إِلَى مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ.

[فصل]

إذا ثبت ما وصفنا من الأسباب المشكلة لِوِلَايَةِ النِّكَاحِ انْتَقَلَتِ الْوِلَايَةُ بِهَا إِلَى مَنْ هو أبعد بخلاف الغيبة التي لا تُوجِبُ انْتِقَالَ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَصِحُّ مِنْهُ التَّزْوِيجُ وَلَا يَصِحُّ مِنْ هَؤُلَاءِ فَلَوْ زَالَتِ الْأَسْبَابُ الْمُبَطِلَةُ لِلْوِلَايَةِ بِأَنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ وَأَفَّاقَ الْمَجْنُونُ وَرَشَدَ السَّفِيهُ عَادُوا إِلَى الْوِلَايَةِ وَانْتَقَلَتْ عَمَّنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ فَلَوْ كان الأبعد قد زوج في جنون القريب وَسَفَهِهِ صَحَّ نِكَاحُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَقْرَبِ بَعْدَ الإفاقة والرشد اعتراض عليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>