(فَصْلٌ:)
وَإِذَا قَالَ لَهَا: يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَا تُطَلَّقُ، وَلَا يَرْجِعُ قَوْلُهُ يَا زَانِيَةُ، وَيَكُونُ قَاذِفًا، لِأَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ فِعْلٍ لَا يَصِحُّ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ يَا زَانِيَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَكَذَا لَوْ قَلَبَ الْكَلَامَ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ رَجَعَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى الطَّلَاقِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ فَلَا تُطَلَّقُ، وَلَا يَرْجِعُ إِلَى الْقَذْفِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ يَكُونُ قَاذِفًا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ مُطَلِّقًا وَلَا قَاذِفًا، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ إِلَى الْأَبْعَدِ دُونَ الْأَقْرَبِ، وَهَذَا فَاسِدٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعْلِيلِ، بِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمُشْتَقَّةَ مِنَ الْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ لَا يَصِحُّ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا طَالِقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، رَجَعَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَلَمْ تُطَلَّقْ بِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِهِ يَا طَالِقُ لِأَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ صِفَةٍ وَطُلِّقَتْ بِهِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَجَعَ إِلَيْهِمَا فَلَا تُطَلَّقُ.
وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ، فَقَالَ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَإِنْ أَرَادَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ طُلِّقَتْ، وَإِنْ أَرَادَ الْأَجْنَبِيَّةَ قُبِلَ مِنْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَلَمْ تُطَلَّقْ زَوْجَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ، وَلَوْ كَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ وَفِي الْبَلَدِ جَمَاعَةُ زَيَانِبَ يُشَارِكْنَهَا فِي الِاسْمِ، فَقَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ وَقَالَ: أَرَدْتُ غَيْرَ زَوْجَتِي مِنَ الزَّيَانِبِ.
قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَطُلِّقَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ فِي الظَّاهِرِ، وَكَانَ مَدِينًا فِي الْبَاطِنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ أَقْوَى حُكْمًا مِنَ الْكِنَايَةِ فَاخْتَصَّ الِاسْمُ لِقُوَّتِهِ بِالزَّوْجَةِ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَمْ تَخْتَصَّ الْكِنَايَةُ لِضَعْفِهَا بِالزَّوْجَةِ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ.
وَلَوْ قَالَ وَزَوْجَتُهُ ابْنَةُ زَيْدٍ وَلِزَيْدٍ بِنْتٌ أُخْرَى، فَقَالَ: بِنْتُ زَيْدٍ طَالِقٌ، وَقَالَ: أَرَدْتُ أُخْتَهَا دُونَهَا فَهَذَا وَإِنْ كَانَ تَعْرِيفًا وَلَمْ يَكُنِ اسْمًا، فَهُوَ بِالِاسْمِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْكِنَايَةِ، فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي الظَّاهِرِ وَيَدِينُ فِي الْبَاطِنِ.
وَإِذَا رَأَى امْرَأَةً فَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ عَمْرَةَ فقال لها: أنت طالق، وأشار (بالطلاق إليها، ولم يذكر اسم زوجته في الإشارة) لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ، لِأَنَّ زَوْجَتَهُ لَمْ يُسَمِّهَا، وَلَا أَشَارَ بِالطَّلَاقِ إِلَيْهَا وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إِلَّا بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ، وَلَوْ سَمَّى فَقَالَ: يَا عَمْرَةُ وَأَشَارَ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ طُلِّقَتْ زَوْجَتُهُ عَمْرَةُ فِي الظَّاهِرِ، لِأَجْلِ التَّسْمِيَةِ وَكَانَ فِي الْبَاطِنِ مَدِينًا لِأَجْلِ الْإِشَارَةِ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ، فَنَادَى حَفْصَةَ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فَلَهُ فِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَعْلَمَ حِينَ نَادَى حَفْصَةَ أَنَّ الَّتِي أَجَابَتْهُ عَمْرَةُ وَيُرِيدُ بِالطَّلَاقِ حفصة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute