للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِتَوْسِيعِ أَبْوَابِ كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ، لِيَدْخُلَهَا الرَّاكِبُ إِذَا نَزَلَهَا، وَلَيْسَ لِلْأَضْيَافِ إِخْرَاجُهُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ إِذَا نَزَلُوا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ ضَاقَتْ بِهِمْ.

وَيُثْبِتُ الْإِمَامُ مَا اسْتَقَرَّ مِنْ صُلْحِ هَذِهِ الضِّيَافَةِ فِي دِيوَانِ كُلِّ بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الضِّيَافَةِ، لِيَأْخُذَهُمْ عَامِلُ ذَلِكَ الْبَلَدِ بِمُوجِبِهِ ثُمَّ يُثْبِتُهُ فِي الدِّيوَانِ الْعَامِّ لِثُبُوتِ الْأَمْوَالِ، كُلِّهَا لِيُرْفَعَ إِلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِذَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ، وَإِنْ فُقِدَ الدِّيوَانُ، وَلَمْ يُعْرَفْ فِيهِ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ عَمِلَ مَا يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ شَهَادَةٌ قُبِلَ فِيهِ قَوْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِقْرَارًا لَا خَبَرًا وَلَا شَهَادَةً، فَإِنْ عَمِلَ عَلَى قَوْلِهِمْ فِيهَا ثُمَّ بَانَ لَهُ زِيَادَةٌ رَجَعَ عليهم بها.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَلَا يُؤْخَذُ مِنِ امْرَأَةٍ وَلَا مَجْنُونٍ حَتَّى يَفِيقَ وَلَا مَمْلُوكٍ حَتَّى يَعْتِقَ وَلَا صَبِيٍّ حَتَّى يَنْبُتَ الشَعْرُ تَحْتَ ثِيَابِهِ أَوْ يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَيَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ كَأَصْحَابِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ عَنْهُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ النِّسَاءَ وَالْمَجَانِينَ، وَالْعَبِيدَ وَالصِّبْيَانَ.

فَأَمَّا النِّسَاءُ، فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ لِخُرُوجِهِنَّ عَنِ الْمُقَاتِلَةِ، وَتَحْرِيمِ قَتْلِهِنَّ عِنْدَ السَّبْيِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: ٢٩] . وَهُنَّ غَيْرُ مُقَاتِلَاتٍ. وَقَدْ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ، فَقَالَ: " مَا بَالُ هَذِهِ تُقْتَلُ وَهِيَ لَا تُقَاتِلُ " فَلِذَلِكَ قُلْنَا: إِنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ أَوْ كَانَتْ خَالِيَةً لَا تَتْبَعُ رَجُلًا، وَهَكَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، فَلَوْ بَذَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْجِزْيَةَ عَنْ نَفْسِهَا لَمْ يَلْزَمْ لِخُرُوجِهَا مِنْ أَهْلَ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ دَفَعَتْهَا مُخْتَارَةً جَازَ قَبُولُهَا مِنْهَا، وَتَكُونُ هَدِيَّةً لَا جِزْيَةً، فَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنْ إِقْبَاضِهَا لَمْ تُجْبَرْ عَلَى دَفْعِهَا، لِأَنَّ الْهَدَايَا لَا إِجْبَارَ فِيهَا وَإِذَا نَزَلَ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ حِصْنًا، فَبَذَلَ نِسَاؤُهُ الْجِزْيَةَ لَمْ يَخْلُ حَالُهُنَّ مِنْ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ رِجَالٌ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْجِزْيَةِ مَعَهُنَّ، سَوَاءٌ بَذَلْنَ الْجِزْيَةَ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ أَوْ مِنْ أَمْوَالِ رِجَالِهِنَّ، لِأَنَّهُنَّ إِنْ بَذَلْنَهَا مِنْ أَمْوَالِهِنَّ، فَلَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ، فَلَا تَلْزَمُهُنَّ، وَإِنْ بَذَلْنَهَا مِنْ أَمْوَالِ رِجَالِهِنَّ لَمْ يُلْزَمِ الرِّجَالُ بِعَقْدِ غَيْرِهِمْ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَنْفَرِدَ النِّسَاءُ فِي الْحِصْنِ عَنْ رَجُلٍ مُخْتَلِطٍ بِهِنَّ، فَفِي انْعِقَادِ الْجِزْيَةِ مَعَهُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ وَأَشَارَ إِلَيْهِمَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ تَوْجِيهًا:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمَا الذِّمَّةُ لَهُنَّ لِخُرُوجِهِنَّ من أهل الجزية، فلم تنعقد

<<  <  ج: ص:  >  >>