إذا جاز أن ينفي نسب بِزِنًا كَانَ عَلَى فِرَاشِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَنْفِيَهُ بِزِنًا كَانَ قَبْلَ نِكَاحِهِ. وَلَا سَبِيلَ إِلَى نَفْيِهِ إِلَّا بِقَذْفِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إنه لا يجوز أن يُلَاعِنَ مِنْهَا إِنْ كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهَا وَإِنْ خَلَتْ مِنْ وَلَدٍ، لِأَنَّهُ زِنًا مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ بِهِ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَقْذِفَهَا بِزِنًا مُطْلَقٍ فَيُلَاعِنَ مِنْهُ وَلَا يَنْسِبُهُ إِلَى مَا قَبْلَ الزوجية فيمنعه من اللعان والله اعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ أَصَابَكِ رَجُلٌ فِي دُبُرِكِ حُدَّ أو لاعن ".
قال الماوردي: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ، وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهُ الْإِتْيَانُ فِي الدُّبُرِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَهُ، فَلَمْ يُوجِبْهُ فِي الْقَذْفِ بِهِ.
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: يَجِبُ فِي فِعْلِهِ وَفِي الْقَذْفِ بِهِ الْحَدُّ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَبِّلُهَا بِمَائِهِ وَلَا يَقْدَحُ فِي نَسَبِهِ، فَصَارَ كَالْوَاطِئِ دُونَ الْفَرْجِ، وَهَذَا خَطَأٌ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى فَاعِلِهِ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ: " مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوهُ " وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْفَرْجَيْنِ فَجَازَ أَنْ يَجِبَ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ الْحَدُّ كَالْقُبُلِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوب حَدِّ الْقَذْفِ فِي الرَّمْيِ بِهِ، أَنَّهُ إِيلَاجٌ يُوجِبُ الْحَدَّ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقَذْفِ بِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ كَالْقُبُلِ، وَلِأَنَّ فِعْلَهُ أَقْبَحُ وَالْمَعَرَّةَ بِهِ أَفْضَحُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ اللِّعَانِ فِيهِ عُمُومُ قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} وَلِأَنَّهُ قَذْفٌ يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، فَجَازَ فِيهِ اللِّعَانُ كَالْقُبُلِ، فَإِذَا لَاعَنَ بِهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ وَثَبَتَ التَّحْرِيمُ بِهِ، وَفِي جَوَازِ نَفْيِ الْوَلَدِ، بِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَاقَةَ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفِيَهُ لِاسْتِحَالَةِ الْعُلُوقِ مِنْهُ.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَنْفِيَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْبِقَ الْإِنْزَالَ فَيَسْتَدْخِلَهُ الْفَرَجُ فَيَعْلَقَ بِهِ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا إِذَا قَذَفَهَا بِسِحَاقِ النِّسَاءِ فَلَا حد فيه ولا لعان منه، لِأَنَّ فِعْلَهُ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ دُونَ الْحَدِّ، فَكَذَلِكَ الْقَذْفُ بِهِ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ دُونَ الْحَدِّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: وَطِئَكِ رَجُلَانِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ عُزِّرَ وَلَمْ يُحَدَّ لِاسْتِحَالَتِهِ فَصَارَ كَذِبًا صَرِيحًا، وَخَرَجَ عَنِ الْقَذْفِ الْمُحْتَمِلِ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَاخْتُصَّ التَّعْزِيرُ لِلْأَذَى وَلَمْ يَجر فِيهِ اللِّعَانُ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ وأمها