حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَطَلَبَتْ حَدَّ أُمِّهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا وَحُدَّ لِأَنَّهَا إِذَا طَلَبَتْهُ أَوْ وَكِيلُهَا وَالْتَعَنَ لِامْرَأَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حُبِسَ حَتَّى يَبْرَأَ جِلْدُهُ فَإِذَا بَرَأَ حُدَّ إِلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِقَوْلِهِ: يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ قَاذِفًا لَهَا وَلِأُمِّهَا بِلَفْظَيْنِ فَقَوْلُهُ: يَا زَانِيَةُ، هُوَ قَذْفٌ لِزَوْجَتِهِ وَلَيْسَ فِيهِ قَذْفٌ لِأُمِّهَا.
وَقَوْلُهُ: بَنَتَ الزَّانِيَةِ هُوَ قَذْفٌ لِأُمِّهَا وَلَيْسَ فِيهِ قَذْفٌ لَهَا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ لَهَا حَدَّانِ لَا تَعَلُّقَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَجَعَلَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ قَذْفًا وَاحِدًا وَأَوْجَبُوا فِيهِ حَدًّا وَاحِدًا، وأجري مجرى قوله لهما يا زانيتين، فَجَمَعُوا بَيْنَ قَذْفِهِمَا بِلَفْظِةٍ وَاحِدَةٍ، وَبَيْنَ قَذْفِهِمَا بِلَفْظَتَيْنِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ مَتَى قَذَفَهُمَا بِلَفْظَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدَّانِ، وَإِنْ قَذْفَهُمَا بِلَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ، فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ -: يَجِبُ عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ كَقَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، لِأَنَّ لَفْظَةَ الْقَذْفِ وَاحِدَةٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: - قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ -: يَجِبُ عَلَيْهِ حَدَّانِ، لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ اثْنَتَانِ وفيما ذكرناه في تَعْلِيلِ هَذَا الشَّرْحِ إِبْطَالٌ لِقَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِهَذَيْنِ الْقَذْفَيْنِ حَدَّانِ أَحَدُهُمَا لِزَوْجَتِهِ، وَالْآخِرُ لِأُمِّهَا فَحَدُّ الْأُمِّ يَسْقُطُ عَنْهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا بِإِقْرَارِهَا بِالزِّنَا، وَإِمَّا بِأَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا، وَحَدُّ الزَّوْجَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إِمَّا بِإِقْرَارِهَا، وَإِمَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَإِمَّا بِاللِّعَانِ، فَإِنْ سَقَطَ الْحَدَّانِ عَنْهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ بَرِئَ مِنْ حَقِّهِمَا، وَإِنْ سَقَطَ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ حَقُّ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِإِقْرَارٍ وَلَا بِبَيِّنَةٍ وَاجْتَمَعَ الْحَدَّانِ عَلَيْهِ فَلَهُمَا إِذَا كَانَ الْقَاذِفُ مُطَالَبًا ثلاثة أحوال:
أحدها: أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ حَاضِرَةً وَأُمُّهَا غَائِبَةً فَيُحَدُّ لِلْبِنْتِ إِلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ، وَلَا يَقِفُ عَلَى حُضُورِ الْأُمِّ، فَإِذَا حَضَرَتِ الْأُمُّ حُدَّ لَهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِنْ حُدَّ لِلُزُوجَةِ لَمْ يُحَدَّ لِلْأُمِّ، لِأَنَّهُمْ يُوجِبُونَ حَدًّا وَاحِدًا، وَإِنِ الْتَعَنَ مِنَ الزَّوْجَةِ حُدَّ لِلْأُمِّ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ حَاضِرَةً، وَالزَّوْجَةُ غَائِبَةً، فَيُحَدُّ لِلْأُمِّ، وَلَا يَقِفُ حَدُّهَا عَلَى حُضُورِ الزَّوْجَةِ فَإِذَا حَضَرَتْ حُدَّ لَهَا إِلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ مِنْهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يُحَدُّ لَهَا وَلَا يَلْتَعِنُ مِنْهَا، لِأَنَّ الْحَدَّ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ فَلَمْ يُوجِبُوا ثَانِيًا وَقَدْ صَارَ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ فَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمْ أَنْ يُلَاعِنَ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَكُونَا حَاضِرَتَيْنِ مُطَالِبَتَيْنِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْأُمَّ تُقَدَّمُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحَقِّهَا عَلَى الْبِنْتِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَقُوَّةِ حَقِّهَا، لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ بِقَذْفِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَوُجُوبَهُ لِبِنْتِهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute