للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أِنَّهُ الْحَيْضُ، وَإِنْ كَانَ قَدِ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ عَقْدِ طَلَاقِهِ، فَفِي إِجْزَائِهِ عَنِ اسْتِبْرَائِهِ بَعْدَ عَقْدِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ بِهِ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أِنَّهُ لَا يُجْزِئُ، لِتَقَدُّمِهِ عَلَى سَبَبِهِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ اسْتِبْرَاءُ أَمَةٍ قَبْلَ الشِّرَاءِ عَنْ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ أَنْ تَظْهَرَ بِهَا أَمَارَاتُ الْحَمْلِ أَوْ لَا تَظْهَرُ، فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ بِهَا أَمَارَاتُ الْحَمْلِ وَلَا اسْتَرَابَتْ بِنَفْسِهَا بَعْدَ زَمَانِ الِاسْتِبْرَاءِ فَهِيَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ وله وطئها، وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا أَمَارَاتُ الْحَمْلِ انْتَظَرَ بِهِ حَالَ الْوَضْعِ، وَلَا يَخْلُو حَالُهُ إِذَا وَضَعَتْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ عَقْدِهِ فَالطَّلَاقُ بِهِ وَاقِعٌ لِعِلْمِنَا بِوُجُودِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَقَدِ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ بِانْفِصَالِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا مَا بَيْنَ عَقْدِ طَلَاقِهِ وَوَضْعِهِ أَمْ لَا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَضَعَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ عَقْدِهِ، فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ لِعِلْمِنَا أَنَّهُ كَانَ مَعْدُومًا عِنْدَ عَقْدِهِ، وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ يَطَأُ أَمْ لَا، لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَضَعَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الزَّوْجِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَطِئَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ لَمْ يَطَأْ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْ طُلِّقَتْ، لِعِلْمِنَا بِوُجُودِهِ حُكْمًا وَقْتَ الْعَقْدِ، وَإِنْ وَطِئَ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَضَعَهُ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وطئه، أو بعدهها، فَإِنْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ فَهُوَ حَمْلٌ مُتَقَدِّمٌ عِنْدَ الْعَقْدِ، فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ بِوَضْعِهِ مُنْقَضِيَةً، وَإِنْ وَضَعَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَجْهًا وَاحِدًا وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طُلِّقَتِ امْرَأَتُهُ الَّتِي سَأَلَتْهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَزَلَهَا بِنِيَّتِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا قَالَتْ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَائِهِ طَلِّقْنِي إِمَّا لِخُصُومَةٍ وَتَغَايُرٍ بَيْنَ الضَّرَائِرِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَقَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ. فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرْسِلَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فِي عَزْلِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَيُطَلَّقْنَ جَمِيعًا، السَّائِلَةُ وَغَيْرُهَا، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُطَلَّقُ السَّائِلَةُ وَتُطَلَّقُ مَنْ سِوَاهَا، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهَا توجهه بِالْخِطَابِ، وَلَوْ أَرَادَهَا لَقَابَلَهَا بِالْمُوَاجَهَةِ فَلَمَّا عَدَلَ إِلَى خِطَابِ غَائِبٍ خَرَجَتْ مِنْ جُمْلَتِهِنَّ. وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>