للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنه استدل رَكِيكٌ وَضَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ثُمَّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَكُنْ تَحِلُّ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلُ فَوَجَبَ أَنْ تَحِلَّ لنبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِقَوْلِهِ أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ نَبِيٌّ مِنْ قَبْلِي أُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ عَلَى أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ غَنِيمَةً مَقْسُومَةً كَذَلِكَ الْأَرْضُ.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْآدَمِيُّونَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِمْ، وَالْمَظْفُورُ بِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَضَرْبَانِ: عَبِيدٌ وَأَحْرَارٌ.

فَأَمَّا الْعَبِيدُ فَمَالٌ مَغْنُومٌ.

وَأَمَّا الْأَحْرَارُ فَضَرْبَانِ: ذُرِّيَّةٌ وَمُقَاتِلَةٌ.

فَأَمَّا الذُّرِّيَّةُ فَهُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَمِنْهُمْ لَا يَصِيرُونَ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، مَرْقُوقِينَ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ فِيهِمْ خِيَارٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَسِّمَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بَعْدَ إِخْرَاجِ خُمُسِهِمْ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِكَوْنِهِمْ مَالًا مَغْنُومًا وَقَسَمَ سَبْيَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَاصْطَفَى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ مِنْ سَبْيِ خَيْبَرَ وَقَسَمَ سبي هوازن بين الناس حتى استنزله هَوَازِنُ فَنَزَلَ وَاسْتَنْزَلَ.

وَأَمَّا الْمُقَاتِلَةُ فَلِلْإِمَامِ فِيهِمُ بالخيار اجْتِهَادًا وَنَظَرًا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ وَمِنْهَا مَا رَآهُ صَالِحًا:

أَحَدُهُمَا: الْقَتْلُ.

وَالثَّانِي: الِاسْتِرْقَاقُ.

وَالثَّالِثُ: الْفِدَاءُ بِمَالٍ أَوْ رِجَالٍ.

وَالرَّابِعُ: الْمَنُّ، فَإِنْ كَانَ ذَا قُوَّةٍ يُخَافُ شَرُّهُ أَوْ ذَا رَأْيٍ يُخَافُ مَكْرُهُ قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانَ مَهِينًا ذَا كَدٍّ وَعَمَلٍ اسْتَرَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ فَادَاهُ بِمَالٍ، وَإِنْ كَانَ ذَا جَاهٍ فَادَاهُ بِمَنْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْأَسْرَى، وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ وَرَغْبَةٍ فِي الْإِسْلَامِ مَنَّ عليه وأطلقه من غير فداء، فيكون خيار لِلْإِمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ، فَمَنْ أُسِرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْيَاءِ بَيْنَ الْقَتْلِ أَوِ الِاسْتِرْقَاقِ أَوِ الْفِدَاءِ بِمَالٍ، أَوْ رِجَالٍ، أَوِ الْمَنِّ.

وَقَالَ أبو حنيفة: هُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ: الْقَتْلُ، أَوِ الِاسْتِرْقَاقُ، وَلَيْسَ لَهُ الْفِدَاءُ وَالْمَنُّ.

وَقَالَ صَاحِبَاهُ أبو يوسف ومحمد: هُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بَيْنَ الْقَتْلِ أَوِ الِاسْتِرْقَاقِ أَوِ الْفِدَاءِ بِرِجَالٍ وَلَيْسَ لَهُ الْفِدَاءُ بِمَالٍ وَلَا الْمَنُّ، وَنَحْنُ نَدُلُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى انْفِرَادِهِ.

أَمَّا الْقَتْلُ فَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا المشركين حيث وجدتموهم} الآية [التوبة: ٥] وَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنَ الْأَسْرَى أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ صَبْرًا، وَمِنْهُمْ: أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَابْنُ خَطَلٍ وَابْنُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، فَأَمَّا أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ فَإِنَّهُ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُنَّ عَلَيَّ، فَمَنَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى مَكَّةَ قَالَ سَخِرْتُ بِمُحَمَّدٍ، وَعَادَ لِقِتَالِهِ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اللهم أوقع أبا عزة فما أسر غيره فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>