للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: يَمْنَعُ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ.

والثاني: لا يمنع وعليه زكاة لِأَنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ أَوْكَدُ مِنَ النَّذْرِ، لِأَنَّ النَّذْرَ هُوَ عَلَى أَدَائِهِ أَمِينٌ، وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ لَهُ مَنْ يُطَالِبُ بِهِ، وَيَسْتَوْفِيهِ وَلَوْ قَالَ ومعه مائتا درهم: إن شفا اللَّهُ مَرِيضِي تَصَدَّقْتُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْهَا، وَأَشَارَ إِلَيْهَا وَعَيَّنَ النَّذْرَ فِيهَا، فَشَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَجَوَابُهَا عَكْسُ ذَلِكَ الْجَوَابِ إِنْ قُلْنَا إِنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ لَا يَمْنَعُ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا يَمْنَعُ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَمْنَعُ، لِأَنَّ هَذَا قَدِ اسْتَحَقَّ بِهِ عَيْنَ الْمَالِ فَمَنَعَ الزَّكَاةَ، وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ عَيْنَ الْمَالِ فَلَمْ يمنع الزكاة، والله أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَجَعَلَ لَهُ مَالَهُ حَيْثُ وَجَدُوهُ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْغُرَمَاءُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُمْ دُونَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ وهكذا في الزرع والثمر والماشية التي صدقتها منها كالمرتهن للشيء فيكون للمرتهن ماله فيه وللغرماء فضله ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي رَجُلٍ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ مِثْلُ مَا بِيَدِهِ، فَقَدِمَ إِلَى الْقَاضِي فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ، فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِأَدَائِهِ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى مَالِهِ، فَهَذَا الْحُكْمُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الزَّكَاةِ وَيَكُونُ كَثُبُوتِهِ بِإِقْرَارِهِ، وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَيَجْعَلَ لِغُرَمَائِهِ أَخْذَ مَالِهِ حيث وجدوه بتمليك منه كأن قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، قَدْ جَعَلْتُ لَكَ بِدَيْنِكَ الْعَبْدَ الْفُلَانِيَّ، أَوِ الثَّوْبَ الْفُلَانِيَّ، الَّذِي قد عرفته، وبعتك هو بِمَالِكَ عَلِيَّ فَقَبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَصَارَ مِلْكًا لَهُمْ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَمَّا بِيَدِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَحْكُمَ بِالدَّيْنِ وَيَحْجُرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغُرَمَائِهِ فَإِنْ قُلْنَا: الدَّيْنُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْنَعُ فَهَلْ عَلَيْهِ الزكاة ها هنا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي زَكَاةِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ لِأَنَّ الْحَجْرَ مَانِعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ كَالْغَصْبِ، فَإِنْ قِيلَ: الصَّبِيُّ قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ، وَلَمْ يَكُنِ الْحَجْرُ مَانِعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>