وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَجَّ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَوْحِشُ بِغُرْبَتِهِ، وَمُفَارَقَةِ وَطَنِهِ كَمَا يَسْتَوْحِشُ بِمُفَارَقَةِ أَهْلِهِ.
فَصْلٌ
: وَالِاسْتِطَاعَةُ السَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا بِمَالِهِ وَبَدَنِهِ فِي ذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ، لَكِنَّهُ عَادِمٌ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ لِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ " فَكَانَ الْمُقَامُ عَلَى الْعِيَالِ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ أَوْلَى مِنَ الْحَجِّ.
فَصْلٌ
: وَالِاسْتِطَاعَةُ الثَّامِنَةُ: أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا بِمَالِهِ وَبَدَنِهِ، لَكِنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَدْ أَحَاطَ بِمَا فِي يَدِهِ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالِاسْتِطَاعَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا، فَإِنْ كَانَ مَحَلُّهُ قَبْلَ عَرَفَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ أَيْضًا، كَمَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهُ بِعَرَفَةَ فَفِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا حَجَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ.
وَالثَّانِي: عَلَيْهِ الْحَجُّ، لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ قَبْلَ حُلُولِهِ.
فَصْلٌ
: وَالِاسْتِطَاعَةُ التَّاسِعَةُ: أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا بِمَالِهِ وَبَدَنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ تَاجِرٌ إِنَّ حَجَّ بِمَا فِي يَدَيْهِ، كَانَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ فِي ذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَا يَتَّجِرُ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَعِيشَةٌ، وَلَا صَنْعَةٌ غَيْرَ التِّجَارَةِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْحَجَّ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ، وَنَفَقَةُ أَهْلِهِ فِي ذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا بَعْدَهُ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ لَا حَجَّ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ نَفَقَتِهِ قَدْرُ مَا يَتَّجِرُ بِهِ، خَوْفًا مِنْ فَقْرِهِ وَحَاجَتِهِ إِلَى الْمَسْأَلَةِ، وَفِي ذَلِكَ أَعْظَمُ مَشَقَّةٍ.
فَصْلٌ: وَالِاسْتِطَاعَةُ الْعَاشِرَةُ
: أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا بِمَالِهِ وَبَدَنِهِ، لَكِنَّ الطَّرِيقَ مُخَوِّفٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى سُلُوكِهِ، لِقِلَّةِ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى، أَوْ خَوْفِ اللُّصُوصِ، فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) {البقرة: ١٩٥) .
[فصل: والاستطاعة الحادية عشر]
: أَنْ يَكُونَ بِمَالِهِ وَبَدَنِهِ، لَكِنَّ الْوَقْتَ يَقْصُرُ عَنْ إِدْرَاكِ الْحَجِّ لِبُعْدِ دَارِهِ وَدُنُوِّ زَمَانِهِ، فَلَا حَجَّ، عَلَيْهِ فِي عَامِهِ لِتَعَذُّرِ قُدْرَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَرَ عَلَى إِدْرَاكِ الْحَجِّ بِإِنْضَاءِ رَاحِلَتِهِ وَشِدَّةِ سَيْرِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ فِي عامه لعظم المشقة.
[فصل: والاستطاعة الثانية عشر]
: أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا بِمَالِهِ، وَبَدَنِهِ لَكِنَّ فِي طَرِيقِهِ مَنْ يَطْلُبُ مِنْهُ مَالًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَذْلِ مَا طُلِبَ مِنْهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ بَذْلُ الْقَلِيلِ لَلَزِمَهُ بَذْلُ الْكَثِيرِ حَتَّى يُؤَدِّيَ إِلَى مَا لَا حَدَّ لَهُ، وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ فَإِنْ