وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْبَقَرَةِ، أَوْ سَبْعٍ مِنَ الْغَنَمِ، لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ عَنِ الْبَقَرَةِ إِلَى الْغَنَمِ، فَكَانَتِ الْبَقَرَةُ أَصْلًا لِلْغَنَمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ مِنْ قِيمَةِ الْبَدَنَةِ، أَوْ قِيمَةِ الْبَقَرَةِ، أَوْ سَبْعٍ مِنَ الْغَنَمِ لِأَنَّ الْبَدَنَةَ أَصْلُ الْبَقَرَةِ، وَالْبَقَرَةَ أَصْلُ الْغَنَمِ، فَاعْتُبِرَ أَعْظَمُهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ:)
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يُطْلِقَ اسْمَ الْهَدْيِ، وَلَا يُقَيِّدَهُ بِجِنْسٍ وَلَا نَوْعٍ فَيَقُولُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَدْيًا فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُهْدِيَ، مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، خَاصَّةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ غَيْرَهُمَا حَمْلًا لِإِطْلَاقِ الْهَدْيِ عَلَى مَا قَيَّدَهُ الشَّرْعُ، فَعَلَى هَذَا فِي اعْتِبَارِ شَرْطِ الضَّحَايَا مِنَ السِّنِّ، وَالسَّلَامَةِ وَجْهَانِ ذَكَرْنَاهُمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَمَالِي مِنَ الْحَجِّ وَالْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى هَدْيِ مَا شَاءَ مِنْ قَلِيلٍ، وَكَثِيرٍ يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، أَوْ لَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا مِنَ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ، وَصُنُوفِ الْأَمْوَالِ، لِأَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْهَدِيَّةِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنَ الْأَمْوَالِ، وقد جاء الشرع يهدي مَا قَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) {المائدة: ٩٥) . وَقَدْ يَهْدِي جَزَاءَ صَيْدٍ عَنْ عُصْفُورٍ وَجَرَادَةٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي التَّبْكِيرِ إِلَى الْجُمُعَةِ " وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ".
قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فِي هَذَا الْقَوْلِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَهْدِيَ مَا كَانَ وَلَوْ بَيْضَةً أَوْ تَمْرَةً، أَوْ قَبْضَةً مِنْ حِنْطَةٍ "، وَاخْتَلَفَ أصحابنا فيه على وجهين:
أحدهما: أنه قال عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَهْدِيَ أَقَلَّ مَا يَكُونُ ثَمَنًا لِمَبِيعٍ، أَوْ مَبِيعًا لِثَمَنٍ، وَلَا تَكُونُ الثَّمَرَةُ الْوَاحِدَةُ ثَمَنًا، وَلَا مَبِيعًا، اعْتِبَارًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَقَلِّ الصَّدَاقِ.
والوجه الثاني: أنه قال عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ فِي إِجْزَاءِ هَدْيِ التَّمْرَةِ، وَالْبَيْضَةِ، وَالْقَبْضَةِ مِنَ الْحِنْطَةِ، لِأَنَّ الثَّمَرَةَ قَدْ تَكُونُ هَدْيًا فِي جَزَاءِ جَرَادَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ مِنَ الْمُدِّ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُوَاسي بِهِ، وَإِنْ أَجْزَأَ مَا دُونَهُ فَأَمَّا إِذَا قَالَ: " لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ الْهَدْيَ " فَأَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، فَقَدْ كَانَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ يَقُولُ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُهْدِيَ مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ يَدْخُلَانِ لِجِنْسٍ أَوْ مَعْهُودٍ، فَلَمَّا لَمْ يَنْصَرِفَا إِلَى عُمُومِ الْجِنْسِ انْصَرَفَا إِلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الضَّحَايَا وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا، إِلَى اسْتِوَاءِ الْحُكْمِ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute