وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، لِأَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - قُتِلُوا شُهَدَاءَ فَغُسِّلُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقْتَلُوا فِي مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِينَ.
وَقُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِصِفِّينَ فَغَسَّلَهُ عَلِيٌّ وَصَلَّى عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ، فَلَمْ يَمْنَعْ قَتْلُهُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كالمقتول في غير المعركة.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأَكْرَهُ لِلْعَدْلِ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ ذِي رَحِمٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَفَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ وَأَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ ابْنِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
يُكْرَهُ لِلْعَادِلِ قَتْلُ ذِي رَحِمٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَقِتَالُهُ، وَيَعْدِلُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: ١٥] .
وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَفَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَفَّ أَبَا بَكْرٍ عَنْ قَتْلِ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلِأَنَّ فِيهِ اعْتِيَادًا لِلْعُقُوقِ وَاسْتِهَانَةً بِالْحُقُوقِ.
وَلِأَنَّ لَهُ فُسْحَةً فِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْ ذِي رَحِمِهِ وَيَكِلَ قَتْلَهُ أَوْ قِتَالَهُ إِلَى غَيْرِهِ.
فَإِنْ قَتَلَ ذَا رَحِمٍ لَهُ جَازَ، وَلَمْ يُحَرَّجْ وَإِنْ كُرِهَ لَهُ.
رُوِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ مُشْرِكًا، وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِرَأْسِهِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى ظَهَرَ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَسُبُّكَ، ثُمَّ وَلَّى مُنَكَّسًا إِلَى أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ عُذْرَهُ: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم. . الآية} [المجادلة: ٢٢] .
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَأَكْرَهُ أَنْ يَعْمِدَ قتل ذي رحمه. عَمْدُ الْقَتْلِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ رَمْيُهُ عَمْيًا يَرْمِي إِلَى صَفِّهِمْ سَهْمًا، لَا يَقْصِدُ بِهِ أَحَدًا بِعَيْنِهِ، فَيَقْتُلُ بِهِ مَنْ أَصَابَهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ.
وَهَذَا أَوْلَى مَا فَعَلَهُ الْعَادِلُ فِي قِتَالِهِ، فَيَكُونُ عَامِدًا فِي الْقَتْلِ غَيْرَ متعمد للمقتول.