شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا} [النور: ٤ - ٥] .
أن التوبة عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَرْجِعُ إِلَى الْفِسْقِ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَرْجِعُ إِلَى الْفِسْقِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ اعْتِبَارًا بِالْعُمُومِ.
وَلَا تَرْجِعُ عِنْدَهُمَا جَمِيعًا إِلَى الْجَلْدِ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي التَّعْلِيلِ.
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِبُعْدِهِ عَنْ أَقْرَبِ مَذْكُورٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِخُرُوجِهِ بِدَلِيلٍ: وَهُوَ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ.
وَلِذَلِكَ لَمْ يَجْعَلْ قَوْلَهُ {إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢] عَائِدًا إِلَى الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِالْعَفْوِ وَجَعَلَهُ عَائِدًا إِلَى الدِّيَةِ لِسُقُوطِهَا بِالْعَفْوِ.
(فَصْلٌ: [النوع الثاني: الشرط] )
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي وَهُوَ الشَّرْطُ:
وَالشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْعَلَامَةُ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: ١٨] أَيْ عَلَامَاتُهَا وَلِذَلِكَ سُمِّيَ صَاحِبَ الشَّرْطِ لِتَمَيُّزِهِ بِعَلَامَتِهِ.
وَالشَّرْطُ فِي الشَّرْعِ: هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ لِوُجُوبِهِ.
فَإِذَا عُلِّقَ الْحُكْمُ بِشَرْطٍ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِوُجُودِهِ وَانْتَفَى بِعَدَمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] فَيَتَعَلَّقُ بِهِ إِثْبَاتٌ وَنَفْيٌ فَيَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ وَجْهٍ وَإِنْ خَالَفَهُ مِنْ وَجْهٍ.
فَوَجْهُ اجْتِمَاعِهِمَا أَنَّهُ قَدْ يُثْبِتُ حُكْمًا وَيَنْفِي حُكْمًا.
وَوَجْهُ افْتِرَاقِهِمَا: أَنَّ الشَّرْطَ يُثْبِتُ الْحُكْمَ فِي حَالِ وُجُودِهِ وَيَنْفِيهِ فِي حَالِ عَدَمِهِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَجْمَعُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ.
وَرُبَّمَا قُيِّدَ الْحُكْمُ بِشَرْطٍ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ إِثْبَاتٌ وَلَا نَفْيٌ.
وَيَصْرِفُهُ الدَّلِيلُ عَمَّا وُضِعَ لَهُ مِنَ الْحَقِيقَةِ إِلَى مَا قَصَدَ بِهِ مِنَ الْمَجَازِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: ٤] وَحَقُّهَا فِي الْعِدَّةِ مَعَ وُجُودِ الرِّيبَةِ وَعَدَمِهَا سَوَاءٌ.
فَإِنْ تَجَرَّدَ الشَّرْطُ عَنْ دَلِيلٍ حُمِلَ عَلَى مُوجَبِهِ فِي النفي والإثبات.