فَذَلِكَ الْمَالُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ قَاتِلُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ يَأْخُذُهُ مِيرَاثًا، فَيَمْنَعُهُ الْقَتْلَ مِنْ أَخْذِهِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ مِلْكًا، فَلَمْ يَمْتَنِعْ بِالْقَتْلِ مِنْ أَخْذِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَلَى طَرَفِهِ كَقَطْعِ إِحْدَى الْيَدَيْنِ، فَلَا قَوَدَ عَلَى السَّيِّدِ فِيهَا، لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يُقَادُ بِعَبْدِهِ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ دِيَةُ الْيَدِ قَبْلَ انْدِمَالِهَا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَلْزَمُهُ دِيَتُهَا إِلَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ، لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ قَبْلَ انْدِمَالِهَا غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ مُطَالَبَةُ الْمُكَاتَبِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إِنْظَارُهُ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ وَلِلْمُكَاتَبِ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَعْتِقَ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْجِزَ فَيَرِقَّ، فَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ، فَلِلْجِنَايَةِ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا أَنْ تَنْدَمِلَ، فَيُحْكَمُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا، لِأَنَّهَا لَمْ تَسْرِ، فَرُوعِيَ فِيهَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَسْرِيَ إِلَى نَفْسِهِ، فَيُحْكَمُ عَلَى السَّيِّدِ بِجَمِيعِ دِيَتِهِ، لِأَنَّهَا سَرَتْ إِلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ حُرٌّ، فَرُوعِيَ فِيهَا حُكْمُ الِانْتِهَاءِ، وَلَا يَرِثُهُ السَّيِّدُ بِالْوَلَاءِ، لِأَنَّهُ قَاتِلٌ، وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ إِنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَرَقَّ قَبْلَ الِانْدِمَالِ سَقَطَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَنِ السَّيِّدِ، سَوَاءٌ انْدَمَلَتْ أَوْ سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ، لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ هَدَرٌ، لَكِنَّهُ يَلْتَزِمُ الْكَفَّارَةَ إِنْ سَرَتْ إِلَى نَفْسِهِ، فَهَذَا حُكْمُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
فَصْلٌ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُعَجِّلُ لَهُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ قَدْ وَجَبَ، فَلَا يُوقَفُ عَلَى ظَنٍّ يُرْتَقَبُ، فَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ لَهُ عَلَى السَّيِّدِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا، أَوْ جَمِيعِ دِيَتِهِ حُرًّا، لِجَوَازِ أَنْ تَسْرِيَ إِلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَأَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ يَقِينٌ، فَأَوْجَبْنَاهُ، وَوَقَفْنَا مَا زَادَ عَلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ عَلَى ما يتجدد من بيان، وإن كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْكِتَابَةِ مِنْ أن يكون قد حل أو باقيا إِلَى أَجَلِهِ، فَإِنْ حَلَّ لَمْ يَخْلُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ تَقَاصَّاهُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْأَقَاوِيلِ الْأَرْبَعَةِ.
ثُمَّ رُوعِيَ حَالُهُ بَعْدَ الْقِصَاصِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقَدْرِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ، وَبَرِئَ السَّيِّدُ، وَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ، وَرَجَعَ عَلَى سَيِّدِهِ بِبَاقِي الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ أَكْثَرَ بَرِئَ السَّيِّدُ مِنَ الْجِنَايَةِ، وَرَجَعَ عَلَى مُكَاتَبِهِ بِبَاقِي الْكِتَابَةِ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا، وَتَقَابَضَاهُ، وَطَالَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالِهِ عَلَى صَاحِبِهِ إلا أن يتبارا عَنْ تَرَاضٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَصِحَّ، وَإِنْ كَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ مُؤَجَّلًا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَعَجَّلَ مِنْ سَيِّدِهِ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا مِنْ كِتَابَةٍ مُؤَجَّلَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute