للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ لَهُ: قَدْ تُوَجَّهُ عَلَيْكَ جَوَابٌ عَدَلْتَ عَنْهُ، فَإِنْ أَقَمْتَ عَلَى هَذَا، جُعِلْتَ نَاكِلًا وَأُحْلِفَ الْمُدَّعِي، وَحُكِمُ لَهُ بِانْتِزَاعِ الدَّارِ مِنْ يَدِكَ، فَإِنْ عَادَ فَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ بَعْدَ إِنْكَارِهِ، فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ.

أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ إِنْكَارِهِ؛ لِأَنَّه قَدِ اعْتَرَفَ بِهَا لِغَيْرِهِ وَيُجْعَلُ كَالنَّاكِلِ، وَيَحْلِفُ مُدَّعِيهَا، وَيُحْكَمُ بِهَا لَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهَا، لِأَنَّه لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهَا مَنْ جَعَلَهَا لَهُ، فَصَارَ إِقْرَارُهُ كَعَدَمِهِ. فَيَحْلِفُ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَهُ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِالدَّارِ لِأَجْلِ يَدِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِمُدَّعِيهَا بَيِّنَةٌ فَتُسْمَعُ مِنْهُ، وَيُحْكَمُ بِهَا لَهُ، وَإِنْ سَمَّى صَاحِبَ الْيَدِ مَنْ جَعَلَ الدَّارَ لَهُ، وَقَالَ: هِيَ لِفُلَانٍ، لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا.

فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لَمْ يَخْلُ حَالُهُ أَنْ يَقْبَلَ الْإِقْرَارَ أَوْ يُنْكِرَهُ، فَإِنْ قَبِلَ الْإِقْرَارَ، صَارَتِ الْيَدُ لَهُ، وَانْتَقَلَتِ الْخُصُومَةُ إِلَيْهِ وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى، فَإِنْ أَنْكَرَ مُدَّعِيهَا، حَلَفَ لَهُ وَكَانَ أَحَقَّ بِالدَّارِ بِيَمِينِهِ وَيَدِهِ، إِلَّا أَنْ يُقِيمَ مُدَّعِيهَا بَيِّنَةً، فَيُحْكَمُ بِهَا لَهُ بِبَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّها أَوْلَى مِنْ يَدٍ، وَيَمِينٍ.

فَإِنْ أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ صَارَ أَحَقَّ بِهَا بِبَيِّنَتِهِ، وَيَدِهِ مِنْ بَيِّنَةٍ بِغَيْرِ يَدٍ.

فَإِنْ طَلَبَ مُدَّعِيهَا إِحْلَافَ صَاحِبِ الْيَدِ عَلَيْهَا، بَعْدَ أَنْ حُكِمَ بِهَا لِلْمُقِرِّ لَهُ، فَفِي إِجَابَتِهِ إِلَى إِحْلَافِ صَاحِبِ الْيَدِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ، فِيمَنْ أَقَرَّ بِدَارٍ فِي يَدِهِ لِزَيْدٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِعَمْرٍو، وَكَانَ زَيْدٌ أَحَقُّ بِهَا مِنْ عَمْرٍو بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ، وَهَلْ يُؤْخَذُ الْمُقِرُّ بِغُرْمِ قِيمَتِهَا لِعَمْرٍو بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُؤْخَذُ بِغُرْمِ قِيمَتِهَا لِعَمْرٍو، لِأَنَّه قَدِ اسْتَهْلَكَهَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ. لِزَيْدٍ، فَعَلَى هَذَا إِيجَابُ الْمُدَّعِي إِلَى إِحْلَافِ صَاحِبِ الْيَدِ، لِأَنَّه لَوْ أَقَرَّ لَهُ لَزِمَهُ الْغُرْمُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا غُرْمَ عَلَيْهِ، لِبَقَاءِ الدَّارِ وَتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِهَا.

فَعَلَى هَذَا لَا يَحْلِفُ صَاحِبُ الْيَدِ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ غُرْمٌ.

(فَصْلٌ)

: فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ مَنْ جُعِلَتْ لَهُ الدَّارُ إِقْرَارَ صَاحِبِ الْيَدِ وَأَنْكَرَهَا، لَمْ يَخْلُ حَالُ صَاحِبِ الْيَدِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا عَلَى إِقْرَارِهِ، أَوْ رَاجِعًا عَنْهُ.

فَإِنْ أَقَامَ عَلَى إِقْرَارِهِ بِهَا لِمَنْ أَنْكَرَهَا، وَلَمْ يَقْبَلْهَا طُولِبَ مُدَّعِيَهَا بِبَيِّنَتِهِ، فَإِنْ أَقَامَهَا، حُكِمَ لَهُ بِالدَّارِ، وَإِنْ عَدِمَهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ إِنَّ الْحَاكِمَ يُنَصِّبُ لَهَا أَمِينًا يَحْفَظُهَا عَلَى مَالِكِهَا، حِفْظَ اللُّقَطَةِ، حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِهَا، إِمَّا لِمُدَّعِيهَا، أَوْ لِغَيْرِهِ فَيُحْكَمُ بِهَا لَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>