للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غَيْرُهُ فَعَمَرَهَا وَحَرَثَهَا نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْمُقْطِعُ مُقِيمًا عَلَى عِمَارَتِهَا حَتَّى تَغَلَّبَ عَلَيْهَا الثَّانِي فَعَمَرَهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ وَيَكُونُ الثَّانِي مُتَطَوِّعًا بِعِمَارَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْطِعُ قَدْ تَرَكَ عِمَارَتَهَا فَعَمَرَهَا الثَّانِي فَهِيَ لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ بَدَأَ بِالْعَمَلِ مِنْ غَيْرِ إِقْطَاعٍ، فَهَذَا حُكْمُ الْإِقْطَاعِ.

فَصْلٌ

: وَأَمَّا الْحِمَى فَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ لِيَتَوَفَّرَ فِيهِ الْكَلَأُ فَتَرْعَاهُ الْمَوَاشِي، لِأَنَّ الْحِمَى فِي كَلَامِهِمْ هُوَ الْمَنْعُ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: جَنْبُ الْمُؤْمِنِ مِنْ حِمَى، وَالْحِمَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَضَرْبٌ حَمَاهُ الْإِمَامُ بَعْدَهُ، وَضَرْبٌ حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنْ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ.

فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جَبَلٍ بِالْبَقِيعِ يُقَالُ لَهُ يَعْمَلُ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا حِمَايَ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْبِقَاعِ، وَهُوَ قَدْرُ مَيْلٍ فِي سِتَّةِ أَمْيَالٍ مَا بَيْنَ يَعْمَلَ إِلَى ثُلُثَيْنِ فَحَمَاهُ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ، ولأن اجتهاد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في أمته أمضى وقضائه فِيهِمْ أَنْفَذُ، وَكَانَ مَا حَمَاهُ لِمَصَالِحِهِمْ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَقَرًّا مِنْ إِحْيَائِهِمْ وَعِمَارَتِهِمْ.

فَصْلٌ

: وَأَمَّا حِمَى الْإِمَامِ بَعْدَهُ فَإِنْ أَرَادَ الْحِمَى لِنَفْسِهِ أَوْ لِأَهْلِهِ أَوْ لِلْأَغْنِيَاءِ خُصُوصًا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ مَا حَمَاهُ مُبَاحًا لِمَنْ أَحْيَاهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْمِيَ لِخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَوَاشِي الْفُقَرَاءِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْحِمَى يَضُرُّ بِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَغْنِيَائِهِمْ لِضِيقِ الْكَلَأِ عَلَيْهِمْ بِحِمَى أَكْثَرِ مَوَاتِهِمْ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِهِمْ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ يَكْتَفِي الْمُسْلِمُونَ بِمَا بَقِيَ مِنْ مَوَاتِهِمْ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يحْمى، لِرِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءٌ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْكَلَأُ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ.

رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الله بن عباس عن الصعب عن جَثَّامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَمَى الْبَقِيعَ وَقَالَ لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ، لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَمَى بِالرَّبَذَةِ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ أَبُو أُسَامَةَ وَتَوَلَّاهُ عَلَيْهِ قُرْطُ بْنُ مَالِكٍ، وَحَمَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشَّرَفَ فَحَمَى مِنْهُ نَحْوَ مَا حَمَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالرَّبَذَةِ وَوَلَّى عَلَيْهِ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ هُنَيُّ وَقَالَ يَا هُنَيُّ اضم جَنَاحَكَ عَنِ النَّاسِ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصَّرِيمَةِ وَرَبَّ الْغَنِيمَةِ وَإِيَّاكَ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى نخل وزرع وإن سب

<<  <  ج: ص:  >  >>