للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: أَنَّ نِسَاءَهُ تَغَايَرْنَ عَلَيْهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُنَّ شَهْرًا فَأُمِرَ بِتَخْيِيرِهِنَّ، وَهَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُنَّ اجْتَمَعْنَ يَوْمًا وَقُلْنَ: نُرِيدُ ما تريد النِّسَاءَ مِنَ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَطَالَبْنَهُ وَكَانَ غَيْرَ مستطيع فأمر بتخييرهن (حكاه النقاش) .

وَالثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ امْتِحَانَ قُلُوبِهِنَّ لِيَرْتَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَيْرَ نِسَاءِ خَلْقِهِ، فَخَيَّرَهُنَّ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَانَ خَلْوَةَ نَبِيِّهِ، فَخَيَّرَهُنَّ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجْنَ بَعْدَهُ فَلَمَّا أَجَبْنَ إِلَى ذَلِكَ أَمْسَكَهُنَّ، وَهَذَا قَوْلُ مُقَاتِلٍ.

وَالْخَامِسُ: أَنَّ اللَّهَ تعالى خير نبيه بين الغنى وبين الفقر، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: إِنْ شِئْتَ يَا مُحَمَّدُ جعلت لك جبالاً ذَهَبًا فَقَالَ صِفْ لِي الدُّنْيَا فَقَالَ حَلَالُهَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا عَذَابٌ، فَاخْتَارَ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى وَالْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَقَالَ: لِأَنْ أَجُوعَ يَوْمًا فأحبروأشبع يَوْمًا فَأَشْكُرُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ فَحِينَئِذٍ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَخْيِيرِ نِسَائِهِ، لِمَا فِي طِبَاعِ النِّسَاءِ مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا فَلَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ التَّخْيِيرُ بَدَأَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِعَائِشَةَ وَكَانَتْ أَحَبَّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ وَأَحْدَثَهُنَّ سِنًّا - فتلا عليها آية التخيير - حتى تستأمري أَبَوَيْكِ -، لِأَنَّهُ خَافَ مَعَ حُبِّهِ لَهَا أَنْ تُعَجِّلَ لِحَدَاثَةِ سِنِّهَا فَتَخْتَارُ الدُّنْيَا، فَقَالَتْ: أَفَيَكَ يا رسول الله استأمر أبويّ، قَدِ اخْتَرْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ وَسَأَلَتْهُ أَنْ يَكْتُمَ عَلَيْهَا اخْتِيَارَهَا عِنْدَ أَزْوَاجِهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ما كان النبي أَنْ يَغُلَّ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى أَزْوَاجِهِ فَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ تَقُولُ: مَا اخْتَارَتْ عَائِشَةُ، فَيَقُولُ: اخْتَارَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الضَّحَّاكِ الْكِلَابِيَّةِ وَكَانَتْ مِنْ أَزْوَاجِهِ فَلَمَّا تَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ فَقَالَتْ: قَدِ اخْتَرْتُ الحياة الدنيا وزينتها فَسَرَّحَهَا فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وُجِدَتْ تَلْقُطُ الْبَعْرَ وَهِيَ تَقُولُ اخْتَرْتُ الدُّنْيَا عَلَى الآخرة فلا دنيا ولا أخرة.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ تَخْيِيرِهِنَّ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى حُكْمِ الِاخْتِيَارِ.

فَإِنْ قِيلَ: عَلَيْهِ السَّلَامُ خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ اخْتِيَارِ الدُّنْيَا فَيُفَارِقُهُنَّ وَبَيْنَ اخْتِيَارِ الْآخِرَةِ فَيُمْسِكُهُنَّ لَمْ يَقَعْ بِهَذَا الِاخْتِيَارِ طَلَاقٌ حَتَّى يُطَلِّقَهُنَّ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ إِنِ اخْتَرْنَ الدُّنْيَا كَمَا طَلَّقَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الضَّحَّاكِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) {الأحزاب: ٢٨) . والسراح الجميل يحتمل ثلاث تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ الصَّرِيحُ مِنَ الطَّلَاقِ دُونَ الْكِنَايَةِ لِئَلَّا يُرَاعَى فِيهِ النِّيَّةُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أقل من ثلاث لتمكن فيه الرجعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>