للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْظُورٌ، وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ؛ وَأَكْلُهُ مَحْظُورٌ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ، وَالضَّرُورَةُ تَدْعُو إِلَى الْأَكْلِ فَأَبَحْنَاهُ وَلَا تَدْعُو إِلَى الطَّبْخِ فَحَظَرْنَاهُ.

وَخَالَفَ الْمَيْتَةَ الَّتِي تَخْتَصُّ بِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ دُونَ الطَّبْخِ، فَجَازَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ.

وَأَمَّا إِذَا وَجَدَ، الْمُضْطَرُّ آدَمِيًّا حَيًّا، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُسْتَبَاحُ قَتْلُهُ حَرُمَ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَهُ مَا يُحْيِي بِهِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِحْيَاءُ نَفْسٍ بِإِتْلَافِ نَفْسٍ مَعَ تَكَافُئِهِمَا فِي الْحُرْمَةِ.

وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَأْكُولُ مُسْلِمًا أَوْ ذمياً؛ لأن نفسه الذميين مَحْظُورَةٌ كَالْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْكُولُ مِمَّنْ يَجِبُ قتله في رده أو حرابة أو زنا جَازَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُضْطَرُّ مِنْ لَحْمِهِ لَكِنْ بَعْدَ قَتْلِهِ، وَلَا يَأْكُلُ لَحْمَهُ فِي حَيَاتِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهِ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ حَيًّا كَانَ مُسِيئًا إِنْ قَدَرَ عَلَى قَتْلِهِ، وَمَعْذُورًا إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمُضْطَرُّ مَا يُمْسِكُ رَمَقَهُ إِلَّا بِقَطْعِ عُضْوٍ مِنْ جَسَدِهِ فَفِي إِبَاحَتِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِذَا كَانَ غَالِبُ قَطْعِهِ السَّلَامَةَ لِحِفْظِ نَفْسِهِ بِعُضْوٍ مِنْ جَسَدِهِ، كَمَا يُقْطَعُ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْأَكَلَةُ لِيَحْفَظَ بِهِ نَفْسَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بِقَطْعِهِ بَيْنَ خَوْفَيْنِ، فَكَانَ أَسْرَعَ إِلَى تَلَفِهِ وَلَيْسَ كَقَطْعِ الْأَكَلَةِ؛ لِأَنَّ يَأْمَنُ سِرَايَتَهَا بِقَطْعِهِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ الِاسْتِبَاحَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ انْتَقَلْنَا إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ كُلِّ مُسْتَبَاحَيْنِ بِالضَّرُورَةِ مَحْظُورَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.

فَمِنْ ذَلِكَ إِذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ، وَهُوَ مُحْرِمٌ مَيْتَةً وَصَيْدًا حَيًّا.

وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، فَفِيمَا يَسْتَبِيحُهُ مِنْهُمَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ دُونَ الصَّيْدِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْتِبَاحَةَ الْمَيْتَةِ نَصٌّ، وَاسْتِبَاحَةَ الصَّيْدِ اجْتِهَادٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَأَكْلَ الصَّيْدِ مُوجِبٌ لِضَمَانِ الْجَزَاءِ، فَصَارَتِ الْمَيْتَةُ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَخَفَّ حُكْمًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ: أَنَّهُ يَأْكُلُ الصَّيْدَ، وَيَعْدِلُ عَنِ الْمَيْتَةِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ إِبَاحَةَ الصَّيْدِ عَامَّةٌ، وَحَظْرَهُ خَاصَّةٌ مِنَ الْإِحْرَامِ، وَحَظْرَ الْمَيْتَةِ عَامٌ، وَإِبَاحَتَهَا خَاصَّةٌ فِي الاضطرار، فكان ما أباحته أعم أَخَفَّ مِمَّا تَحْرِيمُهُ أَعَمُّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، وَتَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ لِمَعْنًى فِيهَا، فَكَانَ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>