أَحَدُهُمَا: تَقْدِيرُ الْعَمَلِ مَعَ الْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ.
وَالثَّانِي: تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ مَعَ الْجَهْلِ بِقَدْرِ الْعَمَلِ فَأَمَّا مَا يَتَقَدَّرُ فِيهِ بِالْعَمَلِ دُونَ الْمُدَّةِ فَمِثَالُهُ أن يقول قد استأجرت عَلَى أَنْ تَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ أَوْ تَنْسِجَ لِي هَذَا الْغَزْلَ أَوْ تَصُوغَ لِي هذا الخلخال فتصير الإجازة مُقَدَّرَةً بِالْعَمَلِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْمُدَّةِ فِيهَا فَإِنْ شَرَطَ فِيهَا الْمُدَّةَ بَطَلَتْ.
لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ قَدِ اسْتَأْجَرَتُكَ لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ فِي يَوْمٍ فَقَدْ يَفْرَغُ مِنْهُ فِي بَعْضِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فِي بَاقِيهِ فَقَدْ أَخَلَّ بِمُقْتَضَى شَرْطِهِ وَإِنْ عَمِلَ فَقَدْ زَادَ عَلَى عَقْدِهِ.
وَأَمَّا مَا يُتَقَدَّرُ فِيهِ بِالْمُدَّةِ دُونَ الْعَمَلِ فَمِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ قَدِ اسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى أَنْ تَبْنِيَ لِي شَهْرًا فَتَصِيرَ الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِالْمُدَّةِ فَتَصِحَّ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ الْعَمَلِ فِيهَا إِذَا كَانَ جِنْسُهُ مَعْلُومًا فَإِنْ شَرَطَ فِيهَا قَدْرَ الْعَمَلِ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَسْتَكْمِلُ ذَلِكَ الْعَمَلَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ تَرَكَ بَاقِيهِ فَقَدْ أَخَلَّ بِمُقْتَضَى شَرْطِهِ وَإِنْ عَمِلَ فَقَدْ زَادَهُ فِي عَقْدِهِ.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا الْأُجْرَةُ فَهْوِ الْعِوَضُ الَّذِي فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ كَالثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ وَحُكْمُهُ كَحُكْمِهِ فِي جَوَازِهِ مُعَيَّنًا وَفِي الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ فَإِنْ جُهِلَتْ بَطَلَتِ الْإِجَارَةُ.
وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَهَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ مَعَ الْجَهَالَةِ بِقَدْرِهِ إِذَا كَانَ مُشَاهَدًا أَمْ لَا؛ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُخَرِّجُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: كَالسَّلَمِ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ الْمُشَاهَدُ فِيهِ جزَافًا قَدْ جُهِلَ قَدْرُهُ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا كَالْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ الْمَقْبُوضَةِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا أَوْ مُعَوَّضًا جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً.
فَلَوِ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِمَنَافِعِ دَارٍ أُخْرَى أَوْ بِرَقَبَةِ دَارٍ أُخْرَى جَازَ وَقَالَ أبو حنيفة لَا يَجُوزُ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ قَدْ أُقِيمَتْ فِي الشَّرْعِ مَقَامَ الْأَعْيَانِ.
فِي جَوَازِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَأَخْذِ الْعِوَضِ مِنْهَا وَوُجُوبِ بَدَلِهَا عَلَى مُتْلِفِهَا فَجَازَ أَنْ تَكُونَ ثَمَنًا وَأُجْرَةً كَمَا جَازَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْجِرَةً.
فَأَمَّا إِذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِنَفَقَتِهِ أَوْ بعيراً بعلوفته فلم يَجُزْ لِجَهَالَتِهِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ تَعَلُّقًا بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَجَّرَ نَفْسَهُ بِطَعَامِ بَطْنِهِ وَعُقْبَةِ رِجْلِهِ.
وَهَذَا مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ أَجْرُهَا بِمَا يَكْفِيهِ لِطَعَامِ بَطْنِهِ وَعُقْبَةِ رِجْلِهِ أَوْ يَكُونَ شَرَطَ ذلك مقدراً.
[مسألة]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَالْإِجَارَاتُ صِنْفٌ مِنَ الْبُيُوعِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَهَذَا كَمَا قَالَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مِنَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ لَا يَجُوزُ فسخه إلا بعيب كالمبيع.