للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ حُلِيًّا بِابْتِيَاعٍ أَوْ مِيرَاثٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ مَغْنَمٍ فَإِنِ اقْتَنَاهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ أَعَدَّهُ لِلتِّجَارَةِ بِهِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ حَلَّى بِهِ نِسَاءَهُ أَوْ جَوَارِيَهُ فَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ، وَلَوِ اتَّخَذَ رَجُلٌ حُلِيًّا للإعارة كان مباحاً وفي زكاته قولان.

وقال أبو عَبْدُ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَكَانَ شَيْخَ أَصْحَابِنَا فِي عصره: اتخاذ الحلي للكرى وَالْإِجَارَةِ مَحْظُورٌ وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ مَحْظُورًا لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ عُرْفِ السَّلَفِ بِالْإِجَارَةِ وعدل عما وردت به السنة والإعارة وَالْحُلِيُّ إِذَا عُدِلَ بِهِ عَمَّا وُضِعَ لَهُ كَانَ مَحْظُورًا وَزَكَاةُ الْمَحْظُورِ وَاجِبَةٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ كَانَ لِقَوْلِ الزُّبَيْرِيِّ وَجْهٌ، وَيَخْتَارُ أَنْ يُكْرَى حُلِيُّ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَحُلِيُّ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ فَإِنْ أَكْرَى حُلِيَّ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَحُلِيَّ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَصَحُّهُمَا: جَوَازُهُ لأنه أُجْرَةٌ.

وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ خَوْفَ الرِّبَا وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يَدْخُلُهُ الرِّبَا، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ إِجَارَةِ حُلِيِّ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ خَوْفَ الرِّبَا لَمُنِعَ من إجارته بدراهم مُؤَجَّلَةً خَوْفَ الرِّبَا، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ فدل على فساد هذا الاعتبار والله أعلم.

[فصل]

: قال المزني رضي الله عنه: " وقد قال الشافعي في غير كتاب الزكاة لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ وَهَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ لِأَنَّ أَصْلَهُ أَنَّ فِي الْمَاشِيَةِ زَكَاةً وَلَيْسَ على المستعمل منها زَكَاةٌ فَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهُمَا زَكَاةٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُزَنِيُّ لَعَمْرِي حُجَّةُ مَنْ أَسْقَطَ زَكَاةَ الْحُلِيِّ، إِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْمَاشِيَةِ زَكَاةٌ وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهَا زَكَاةٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرَقِ زَكَاةٌ، وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهَا زَكَاةٌ وَلِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ هَذَا، بِأَنَّ زَكَاةَ الْمَوَاشِي تَجِبُ بِوَصْفٍ زَائِدٍ، وَهُوَ السَّوْمُ فَإِذَا اسْتُعْمِلَ فَقَدْ عُدِمَ الْوَصْفُ الْمُوجِبُ فَسَقَطَتِ الزَّكَاةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ، لِأَنَّ زَكَاتَهُمَا تَجِبُ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ يُعْتَبَرُ فَإِذَا اسْتُعْمِلَا لم يمنع استعمالهما وجوب الزكاة فيهما أو لا تَرَى أَنَّ مَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الْمَوَاشِي فِيمَا لَا يَحِلُّ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَإِخَافَةِ السَّبِيلِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرَقِ فِيمَا لَا يَحِلُّ مِنَ الْأَوَانِي وَالْحُلِيِّ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَوَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الْمَوَاشِي وَبَيْنَ مَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الْحُلِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>