للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ شَهَادَتُهُمَا، لِيَتَذَكَّرَا بِهِ صِحَّةَ الْكِتَابِ وَمَعْرِفَتَهُ، فَإِنْ غَابَ الْكِتَابُ عَنْهُمَا قَبْلَ إِثْبَاتِ خَطَّهِمَا فِيهِ، أَوِ ارْتَابَا بِهِ بَعْدَ الْخَطِّ لَمْ يَصِحَّ التَّحَمُّلُ، إِلَّا أَنْ يُعِيدَ الْقَاضِي قِرَاءَتَهُ عَلَيْهِمَا وَيَقُولَ لَهُمَا: هَذَا هُوَ كِتَابِي الَّذِي أَشْهَدْتُكُمَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ إِلَى الْقَاضِي فُلَانٍ؛ لأنه قد يحتمل أن يبدل فِي الْغَيْبَةِ بِغَيْرِهِ.

وَأَمَّا شُرُوطُ أَدَائِهِ إِلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَثَلَاثَةٌ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَسْتَدِيمَ الثِّقَةَ بِصِحَّةِ الْكِتَابِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ.

إِمَّا أَنْ لَا يَخْرُجَ الْكِتَابُ عَنْ أَيْدِيهِمَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَا قَدْ أَثْبَتَا فِيهِ خُطُوطَهُمَا، حَتَّى يُحَقِّقَا عَلَامَتَهُمَا فِيهِ، فَإِنْ تَشَكَّكَا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ أَدَاؤُهُمَا.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَصِلَ إِلَى الْقَاضِي بِمَشْهَدِهِمَا، إِمَّا مِنْ أَيْدِيهِمَا، أَوْ مِنْ يَدِ الطَّالِبِ بِحَضْرَتِهِمَا فَإِنْ لَمْ يُشَاهِدَا وُصُولَهُ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَشْهَدَا عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا فِيهِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ دُونَ الْخَبَرِ فَإِنْ قَالَاهُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ دُونَ الشَّهَادَةِ أَوْ شَهِدَا بِالْكِتَابِ وَلَمْ يَشْهَدَا بِمَا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ لِلْحُكْمِ.

[(فصل: ما يمضيه القاضي المكتوب إليه من حكمه) .]

وَأَمَّا الْفَصْلُ الرَّابِعُ: وَهُوَ فِيمَا يُمْضِيهِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ حُكْمِهِ، فَكِتَابُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى نَقْلِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ إِقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ، فَيَثْبُتُ بِالْكِتَابِ عِنْدَ الثَّانِي مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْأَوَّلِ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ شَهَادَةٍ، وَيَتَوَلَّى الثَّانِي إِنْفَاذَ الْحُكْمِ فِيهِ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمَا فِيهِ، كَانَ مَحْمُولًا عَلَى اجْتِهَادِ الثَّانِي، دُونَ الْأَوَّلِ، لِاخْتِصَاصِ الثَّانِي بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ فِيهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مُشْتَمِلًا عَلَى ذِكْرِ الشَّهَادَةِ وَإِمْضَاءِ الْحُكْمِ بِهَا، فَلَا يَخْلُو حَالُ حُكْمِهِ عِنْدَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ جَائِزًا، لَا يُخَالِفُهُ فِيهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُمْضِيَهُ لِطَالِبِهِ وَيَأْخُذَ الْمَطْلُوبَ بِأَدَائِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ بَاطِلًا لَا مَسَاغَ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْقُضَهُ.

فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، نَقَضَهُ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ بِنَقْضِهِ، وَإِنْ تَفَرَّدَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُهُ إِلَّا أَنْ يُطَالِبَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِنَقْضِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مُحْتَمِلًا لِلِاجْتِهَادِ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَصْلَيْنِ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ فِيهِ إِلَى غَيْرِ مَا حَكَمَ بِهِ الْكَاتِبُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْضِيَهُ، لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ، لِاحْتِمَالِهِ فِي الِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَطْلُوبَ بِأَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>