قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ فَرَاغِهَا مِنَ الْحَجِّ فَلَهَا أَنْ تَنْفِرَ بِلَا وَدَاعِ الْبَيْتِ؛ لِرِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا أَرَى صَفِيَّةَ إِلَّا حَابِسَتَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ولما، فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهَا حَاضَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أليس أنها قَدْ أَفَاضَتْ فَقُلْتُ بَلَى، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فلا حبس عليك. وروي أن زيد بن ثابت نحى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْتَ تُفْتِي أَنَّ الْحَائِضَ تَنْفِرُ بِلَا وَدَاعٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: اسأل أَمَّ سُلَيْمٍ وَصَوَاحِبَاتِهَا فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْخَصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ بِلَا وَدَاعٍ فَرَجَعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَبْتَسِمُ وَقَالَ الْقَوْلُ ما قلت فإذا ثبت أن الحائض لا تَنْفِرَ بِلَا وَدَاعٍ فَلَا دَمَ عَلَيْهَا لِتَرْكِهِ؛ لأنها غير مأمورة، فإن طهرت بعد أن نفرت نظر إن طَهُرَتْ فِي بُيُوتِ مَكَّةَ لَزِمَهَا أَنْ تَرْجِعَ فَتُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ بَعْدَ أَنْ تَغْتَسِلَ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ؛ لِوُجُوبِ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَإِنْ طَهُرَتْ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ بُيُوتِ مَكَّةَ فَلَيْسَ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَرَمِ، لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُسَافِرِ لِجَوَازِ قَصْرِ الصَّلَاةِ لَهَا.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا إِذَا حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْفِرَ حَتَّى تَطُوفَ بَعْدَ الطُّهْرِ؛ لِحَدِيثِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلَيْسَ عَلَى الْجِمَالِ انْتِظَارُهَا حَتَّى تَطْهُرَ بِأَنْ تَنْفِرَ مَعَ النَّاسِ، وَلَهَا أَنْ تَرْكَبَ فِي مَوْضِعِ غَيْرِهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَى الْجِمَالِ أَنْ يُحْتَبَسَ لَهَا مُدَّةَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَفَضْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قال: أجيران وَلَيْسَ بِأَجِيرَيْنِ امْرَأَةٌ صَحِبَتْ قَوْمًا فِي الْحَجِّ فَحَاضَتْ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ بِالْبَيْتِ، أَوْ تَأْذَنَ لَهُمْ، وَالرَّجُلُ إِذَا شَيَّعَ الْجِنَازَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يَدْفِنَ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ وَلِيُّهَا.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا ضَرَرَ، وَلَا إِضْرَارَ مِنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ " وَفِي احْتِبَاسِ الْجِمَالِ إِضْرَارٌ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حبسها مرض لم يلزمه انتظار برؤها، فَكَذَلِكَ إِذَا حَبَسَهَا حَيْضٌ لَمْ يَلْزَمْهُ انْتِظَارُ طُهْرِهَا، فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَنْكَرَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَقَالَ: لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْنَا أَمْرُهُ، فَهَذَا آخِرُ مَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ مِنْ مناسكه في حجه وعمرته.
: فَأَمَّا زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَمَأْمُورٌ بِهَا وَمَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي وَحُكِيَ عَنِ الْعُتْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَتَى أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَجَدْتُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحيماً) {النساء: ٦٤) وَقَدْ جِئْتُكَ تَائِبًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِكَ إِلَى رَبِّي وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
(يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ بِالْقَاعِ أَعْظُمُهُ ... فَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ الْقَاعُ وَالْأَكَمُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute