للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسْوَدَ ثُمَّ عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ كَانَ جَمِيعُ الدَّمَيْنِ حَيْضًا وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ فَيَجْعَلُ حَيْضَهَا مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَيُفَرِّقُ حُكْمَ الصُّفْرَةِ فَيَجْعَلُ خَمْسَةً مِنْهَا حَيْضًا لِوُجُودِهَا فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَخَمْسَةً اسْتِحَاضَةً لِمُفَارَقَتِهَا أَيَّامَ الْعَادَةِ.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وإن لم ينفصل دمها بما وَصَفْتُ لَكَ فَتَعْرِفُهُ وَكَانَ مُشْتَبِهًا نَظَرَتْ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَيْضُهَا فِيمَا مَضَى مِنْ دَهْرِهَا فَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ لِلْوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ تَحِيضُ فيه، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الِاسْتِحَاضَةِ وَهِيَ الْمُعْتَادَةُ.

وَصُورَتُهَا: فِي امْرَأَةٍ اسْتَمَرَّ بها الدم حتى يجاوز خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَكُلُّهُ لَوْنٌ وَاحِدٌ، لَا يتميز بعضه عن بعض ولها عادة سالفة فِي حَيْضِهَا، فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ إِلَى عَادَتِهَا السالفة، وَقَالَ مَالِكٌ لَا اعْتِبَارَ بِالْعَادَةِ اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهَا: " إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عرقٌ " فَرَدَّهَا إِلَى التَّمْيِيزِ وَلَمْ تُعْتَبَرِ الْعَادَةُ قَالَ: وَلِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يُوجَدُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ فَيَكُونُ حَيْضًا، وَتُوجَدُ أَيَّامَ الْعَادَةِ بِغَيْرِ دَمٍ، فَلَا يَكُونُ حَيْضًا، فَلَمْ يَكُنْ لِلْعَادَةِ تَأْثِيرٌ.

وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر مثل أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ، قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ، فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَادَةِ وَرَوَى أَبُو الْيَقْظَانِ عَنْ عَدَيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أقْرَائِهَا ثُمَ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي حَتَّى أَيَّامَ حَيْضِهَا " وَرَوَى العلا بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ سَوْدَةَ اسْتُحِيضَتْ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذَا مَضَتْ أَيَّامُهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ.

فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَادَةِ، وَلِأَنَّ الْحَيْضَ يَتَعَلَّقُ بِدَمٍ وَأَيَّامٍ فَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْأَيَّامِ عِنْدَ إِعْوَازِ الدَّمِ كَالْعِدَّةِ تَنْتَقِلُ عَنِ الْأَقْرَاءِ إِلَى الشُّهُورِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>