شَهَادَتِهِمَا بَعْدَ انْدِمَالِ الْجُرْحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ شَهِدَ مِنْ عَاقِلَتِهِ بِالْجُرْحِ لَمْ أَقْبَلْ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ مَالٌ فِي وَقْتِ الْعَقْلِ فَيَكُونُ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ مَا يَلْزَمُهُ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَجَازَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِذَا كَانَ مِنْ عَاقِلَتِهِ فِي قُرْبِ النَّسَبِ مَنْ يَحْمِلُ الْعَقْلَ حَتَّى لَا يَخْلُصَ إِلَيْهِ الْغُرْمُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالْقَتْلِ، وَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ بِجُرْحِهِمَا، فَالْقَتْلُ الْمَشْهُودُ بِهِ ضَرْبَانِ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِجُرْحِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْقَتْلِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ حُكْمٌ فَلَمْ يُتَّهَمُوا فِي الشَّهَادَةِ بِالْجُرْحِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَدْفَعُونَ بِهَا ضَرَرًا وَلَا يَجُرُّونَ بِهَا نَفْعًا وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى إِقْرَارِهِ بِهِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ فِي جُرْحِ الشُّهُودِ، لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الِاعْتِرَافَ فَلَمْ يُتَّهَمُوا فِي شَهَادَةِ الْجُرْحِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلِ الْقَتْلِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ فِي الْجُرْحِ لِأَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا شَهِدُوا بِجُرْحِ شَاهِدَيِ الْأَصْلِ، دَفَعُوا بِهَا تَحْمِلُ الدِّيَةَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَصَارَ كَشَهَادَةِ الْقَاتِلِ بِجُرْحِهِمْ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَهِيَ مَرْدُودَةٌ لِدَفْعِهِ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، كَذَلِكَ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ رَدُّ شَهَادَتِهِمْ بِالْجُرْحِ فَهُمْ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونُوا عِنْدَ الشَّهَادَةِ بِوَصْفِ مَنْ يَتَحَمَّلُ الدِّيَةَ لِوُجُودِ شَرْطَيْنِ: قُرْبُ النَّسَبِ، وَوُجُودُ الْغِنَى فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمَرْدُودُ شَهَادَتُهُمْ بِالْجُرْحِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونُوا عِنْدَ الشَّهَادَةِ بِوَصْفِ مَنْ لَا يَتَحَمَّلُ الدِّيَةَ وَهُمْ صِنْفَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَنْ لَا يَتَحَمَّلُهَا لِفَقْرٍ.
وَالثَّانِي: مَنْ لَا يَتَحَمَّلُهَا لِبُعْدِ نَسَبِهِ وَوُجُودِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ نَسَبًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَتَحَمَّلُهَا لِفَقْرِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بِالْجُرْحِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَتَحَمَّلُهَا لِبُعْدِ نَسَبِهِ وَوُجُودِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِالْجُرْحِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ نَصِّهِ فِيهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: