[الْقَوْلُ فِي صِفَةِ الشَّهَادَةِ] .
فَأَمَّا صِفَةُ الشَّهَادَةِ فلا يجزئ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ: رَأَيْنَاهُ يَزْنِي حَتَّى يَصِفُوا ما شاهدوه من الزنا، وهو أَنْ يَقُولُوا: رَأَيْنَا ذَكَرَهُ يَدْخُلُ فِي فَرْجِهَا كَدُخُولِ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ؛ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تثبت ماعز في إقراره فقال: " أدخلت ذَلِكَ مِنْكَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا كَدُخُولِ الْمِرْوَدِ في المكحلة والرشا في البئر؟) فقال: نَعَمْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَثْبَتَهُ فِي الْإِقْرَارِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَسْتَثْبِتَ فِي الشَّهَادَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الشُّهُودَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا لَمَّا شَهِدُوا بِهِ عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه وهم أبو بكرة، ونافع، ونفيع، وزياد فصرح بذلك أبو بكرة، ونافع، ونفيع، فَأَمَّا زِيَادٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: قُلْ مَا عندك وأرجوا أَنْ لَا يَهْتِكَ اللَّهُ صَحَابِيًّا عَلَى لِسَانِكَ، فقال زياد: رأيت نفساً تعلوا أواستاً تنبو ورأيت رجلاها عَلَى عُنُقِهِ كَأَنَّهُمَا أُذُنَا حِمَارٍ وَلَا أَدْرِي يا أمير المؤمنين مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ فَأَسْقَطَ الشَّهَادَةَ وَلَمْ يَرَهَا تَامَّةً.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الزنا لفظ مشترك.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا اللَّمْسُ وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ الْفَرْجُ) فَلِذَلِكَ لَزِمَ فِي الشَّهَادَةِ نَفِيُ هَذَا الِاحْتِمَالِ بِذِكْرِ مَا شَاهَدَهُ مِنْ وُلُوجِ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا ظَهَرَ بِغَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ حَمْلٌ، وَلَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهَا بِالزِّنَا وَلَا أَقَرَّتْ بِهِ لَمْ تُحَدَّ، وَقَالَ مَالِكٌ: تُحَدُّ بِالْحَمْلِ؛ لأنه من وطء، وظاهره إِذَا كَانَتْ خَلِيَّةً أَنَّهُ مِنْ زِنًا فَحُدَّتْ بِالظَّاهِرِ وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ حَامِلٍ غَيْرِ ذات زوج فسألها عنه فقال: لَمْ أُحِسَّ حَتَّى رَكِبَنِي رَجُلٌ فَقَذَفَ فِي مِثْلَ الشِّهَابِ فَقَالَ عُمَرُ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا شَابَّةٌ، وَلِأَنَّ الْحَمْلَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إِكْرَاهٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ زِنًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِالْأَغْلَظِ مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ادرؤوا الحدود بالشبهات) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute