أَصْحَابُنَا: هَلْ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْمُبَاحِ وَالْمَحْظُورِ؟ أَوْ يَكُونُ مَخْصُوصًا فِي الْمُبَاحِ دُونَ الْمَحْظُورِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْمُبَاحِ وَالْمَحْظُورِ، فَيَحْنَثُ بِلَحْمِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ اعْتِبَارًا بِعُمُومِ الِاسْمِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْحَظْرِ، كَمَا يَحْنَثُ بِاللَّحْمِ الْمَغْصُوبِ، وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَاحِ دُونَ الْمَحْظُورِ، فَلَا يَحْنَثُ بِلَحْمِ مَا حَرُمَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ وَحْشٍ أَوْ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ؛ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّهُ لَمَّا خُصَّتِ الْأَيْمَانُ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، كَانَ أَوْلَى مِنْ أَنْ تُخَصَّ بِعُرْفِ الشرع؛ لأنه ألزم.
والثاني: أنه قصد باليمين أَنْ حَظَرَ عَلَى نَفْسِهِ مَا اسْتُبِيحَ بِغَيْرِ يَمِينٍ، فَخَرَجَ الْمَحْظُورُ مِنْ قَصْدِ الْيَمِينِ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ.
وَأَمَّا الْمَغْصُوبُ، فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحِ، وَأَنَّهُ حَظْرُ الْمَعْنَى خَاصٌّ، فَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الْعُمُومِ فِي الْإِبَاحَةِ.
وَلَا فَرْقَ فِيمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِنَ اللَّحْمِ بَيْنَ أَنْ يَأْكُلَهُ مُشْوِيًّا أَوْ مَطْبُوخًا أَوْ نِيئًا وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَأَظُنُّهُ مَالِكًا: إِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ نِيئًا، حَتَّى يُطْبَخَ أَوْ يُشْوَى؛ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ فِي أَكْلِهِ. وَهَذَا الِاعْتِبَارُ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّ الطَّبْخَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ، يُقْصَدُ بِهَا الِاسْتِطَابَةُ، فَلَمْ يَجُزِ اعْتِبَارُهَا فِي الْمُطْلَقِ، كَمَا لَا يُعْتَبَرُ بِهِ الْمُسْتَطَابُ الْمُسْتَلَذُّ.
وَالثَّانِي: إنَّ حَقِيقَةَ الْأَكْلِ مَا لَاكَهُ مَضْغًا بِفَمِهِ، وَازْدَرَدَهُ إِلَى جَوْفِهِ.
وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي النِّيءِ، كَوُجُودِهِ في المطبوخ والمشوي.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ سَوِيقًا فَأَكَلَهُ أَوْ لَا يَأْكُلَ خُبْزًا فَمَاثَهُ فَشَرِبَهُ أَوْ لَا يَشْرَبُ شَيْئًا فَذَاقَهُ فَدَخَلَ بَطْنَهُ لَمْ يَحْنَثْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ أَنْوَاعٌ كَالْأَعْيَانِ، فَإِذَا تَعَلَّقَتِ الْيَمِينُ بِنَوْعٍ مِنْ فِعْلٍ، فهي كتعلقها بنوع من يمين، فلا يحنث بغير ذلك العين، كَمَا لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ تِلْكَ الْعَيْنِ.
وَالْأَكْلُ نَوْعٌ، وَالشُّرْبُ نَوْعٌ، وَالذَّوْقُ نَوْعٌ، وَالطَّعْمُ نَوْعٌ، وَلِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ صِفَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ تَخْتَصُّ بِهِ.
وَإِنْ جَازَ أَنْ يَقَعَ الِاشْتِرَاكُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هذا السويق،